Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 23-27)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قرأها على أبي بكر رضي عنه ، فقال : بلى أحب ، وأعاد إلى مسطح - هو أحد القاذفني الآفكين - وهو ابن خالته فقيرُ ليس له شيء ينفقه على نفسه ؛ لأنه ينفق عليه دائماً . ثم قال سبحانه تذكيراً لعموم عباده ، ونهياً لهم عن الرمي بالزنا مطلقاً : { إِنَّ } المسرفين { ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ } بالزنا { ٱلْمُحْصَنَاتِ } المتعففات ، والمستحفظات لحدود الله { ٱلْغَافِلاَتِ } البرئيات المنزهَات عما رُموا به أولئك الغفلة الجهلة ظلماً وزوراً { ٱلْمُؤْمِناتِ } بالله ، وبما جاء من عنده من الحدود والأحكام الجارية على ألسنة رسله ، وبيوم الجزاء المعدّ للكشفش والتفضيح { لُعِنُواْ } وطُردوا عن روح الله وسعة رحمته ؛ لقصدهم عرض العفائف ، وهتك أستارهن ، وطعنهم فيهن افتراءً ومراءً { فِي ٱلدُّنْيَا } بإجراء الحد وأنواع الطرد والشتم ، ورد شهادتهم مدة حياتهم { وَٱلآخِرَةِ } بأنواع العذاب والنكال . { وَ } بالجملة : { لَهُمْ } بسبب قبح صنيعهم وسوء فعالهم { عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النور : 23 ] لا عذاب أعظم منه ؛ لعظم جرمهم وعصيانهم . اذكر لهم يا أكمل الرسل توبيخاً لهم ، وتذكيراً لمن اعتبر منهم من المؤمنين { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ } بإلهام الله وإعلامه { أَلْسِنَتُهُمْ } وتقر بما صدر عنها من الكذب والافتراء ، ورمي المحصنات ، وقذف العفائف عمداً بلا علم لهم ولا شعور بحالهن { وَأَيْدِيهِمْ } لما افترقوا من الأخذ والإعطاء لا على الوجه المشروع { وَأَرْجُلُهُمْ } بالسعي والتردد إلى ما يرضى منه سبحانه ولا رسوله ولا المؤمنون ، وبالجملة : يقر كل من أعضائهم وجوارحهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] ويكتسبون من المعاصي والآثام . { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ } المجازي لأعمالهم { دِينَهُمُ } وجزائهم { ٱلْحَقَّ } أي : ما يستحقون من الجزاء بلا زيادة ونقصان عدلاً منه سبحانه { وَ } حنيئذٍ { يَعْلَمُونَ } يقيناً { أَنَّ ٱللَّهَ } القادر على الإنعام والانتقام { هُوَ ٱلْحَقُّ } المقصور على التحقق والثبوت بالقسط والعدل { ٱلْمُبِينُ } [ النور : 25 ] الظاهر ألوهيته وربوبيته على الوجه الأقسط الأعدل الأقوم ، بلا ميلٍ منه وانحرافٍ عن جادة الاستقامة والعدل الحقيقي . ومن جملة عدالته : رعاية المناسبات بين المظاهر والمربوبات ، كما بينها سبحانه بقوله : { ٱلْخَبِيثَاتُ } من النساء المطعونات بأنواع الرذائل ، المنحرفات عن جادة السلام والطهارة { لِلْخَبِيثِينَ } كذلك من الرجال ؛ يعني : لا يتزوجهن غير الخبيثين بحكم المناسبة { وَ } كذا { ٱلْخَبِيثُونَ } من الرجال { لِلْخَبِيثَاتِ } من النساء ، كلُ لنظيرتها بحكم المصلحة الإلهية . { وَ } كذا { ٱلطَّيِّبَاتُ } الطاهرات العفائف المحصنات { لِلطَّيِّبِينَ } أيضاً كذلك { وَ } كذا { ٱلطَّيِّبُونَ } المستقيمون على جادة التوحيد والعدالة { لِلْطَّيِّبَاتِ } أيضاً كذلك ؛ إذ كلُ يميل بالطبع إلى شاكلته بالميل المعني الموضوع بالوضع الإلهي ، ومتى ثبت هذا الحكم ، وتبين هذه المناسبات بتبيين الله { أُوْلَـٰئِكَ } العفائف المطهرون الطيبون { مُبَرَّءُونَ } منزَّهون { مِمَّا يَقُولُونَ } أولئك الرماة المفترون والطغاة الخبيثون المنحرفون عن طريق احلق ، الناكبون عن صراطٍ مستقيم ، ولبراءتهم ونزاهتهم { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } وعفوٌ من الله المطَّلعِ لبراءتهم الشاهدِ عليها { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ النور : 26 ] وهو الرزق الصوري والمعنوي ، الذي يتلذذون به الجنة عند كشف الغطاء ورفع الحجب . اللهم ارزقنا بلطفك من الرزق الكريم ، واجعلنا بجودك من ورثة جنة النعيم . ثم لما كان أمثال هذه الهذيانات الباطلة ، والمفتريات العاطلة من نتائج الخلطة والاستئناس مع أصحاب الغفلة ، وكشف الحجب ، والأستار الواقعة بين ذوي القدور والاعتبار وأولي الخطر الكبار إلى من هو من السلفة الساقطين المنحطين من درجة أرباب الاستبصار . أشار سبحانه إلى أن الاختلاط الاستئناس بين المؤمنين ، لا بدَّ وأن يكون مسبوقاً بالاستئذان والاسترخاص ، حتى لا يؤدي إلى أمثال هذه الخرافات ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم محافظة المحبة والإخلاص بينكم ، ومن جملتها : إنها { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } أي : بيتاً من بوت إخوانكم بغتةً بلا استئذانٍ من أهلها ، بل لكم أن تصبروا { حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } وتستأذنوا ، وتطلبوا رخصة الدخول . { وَ } بعدما أذنتم ورخصتم { تُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } بأن تقولوا : " السَّلاَمُ عَلَيْكمُمْ ! أَدْخُلُ أَمْ لاْ ؟ ثلاث مرات " هكذا رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم . فإن أذنتم بالدخول ، فدخلوه وإلا فارجعوا { ذٰلِكُمْ } أي : الاستئذان والاستئناس { خَيْرٌ لَّكُمْ } من المبادرة إلى الدخول بغتةً ، وإنما أَنزل عليكم هذه الكريمة المتعلقة بالأخلاق { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ النور : 27 ] وتتعظون بها ، وتحفظون حدود المصاحبة والمؤاخاة بينكم ، ولا تجاوزون عن مقتضى المروءة والعدالة .