Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 19-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال سبحانه تذكيراً لعموم عباده : { إِنَّ } المفسدين المسرفين { ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ } من خبث بواطنهم { أَن تَشِيعَ } تظهر وتنتشر { ٱلْفَاحِشَةُ } الخصلة المذمومة عقلاً وشرعاً { فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : بين عموم المؤمنين { لَهُمْ } جزاءً لإشاعتهم وإذاعتم { عَذَابٌ أَلِيمٌ } مؤلمُ مفزعُ { فِي ٱلدُّنْيَا } بالجلد { وَٱلآخِرَةِ } بالنار المحرق الملتهب { وَٱللَّهُ } المطلع لجميع ما جرى في الغيب والشهادة { يَعْلَمُ } قبحَ ما في الإشاعة والإذاعة { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ النور : 19 ] قبحها لذلك تحبون . { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } بفتح باب التوبة ، والرجوع عن المعصية بالندامة الخالصة لفضَحكم ، وعذبكم بقبح صنعتكم وشنعة خصلتكم { وَ } اعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } المراقب لجميع ما صدر عنك { رَءُوفٌ } لكم يحفظكم عما يضركم { رَّحِيمٌ } [ النور : 20 ] لكم يرحمكم ، بعدما وفقتم على التوبة والندامة . ولما كان أمثال هذه المعاصي والآثام بمتابعة الشيطان المضلٍّ المغوي ، نادى سبحانه عموم عباده المؤمنين ، ونهاهم عن متابعته والاقتداء به والاقتفاء بأثره ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة الصانع وصفاته ، وبالنبوة والرسالة ، والتشريع العام المفيد لاعتدال الأخلاق والأطوار بين عموم العباد ، مقتضى إيمانكم مخالفة النفس والهوى اللتين هما من جنود الشيطان المضل المغوي عن طريق الحق { لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } ولا تقتفوا أثره في إشاعة الفاحشة واستحباب المعصية . { وَمَن يَتَّبِعْ } منكم أيها المؤمنون { خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } المضل المغوي فقد ضلَّ وغوى { فَإِنَّهُ } أي : الشيطان { يَأْمُرُ } من يتابعه ويقتدي به { بِٱلْفَحْشَآءِ } المستقبح عقلاً وشرعاً { وَٱلْمُنْكَرِ } المردود مروءة ونقلاً { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } المتكفل لإصلاح حالكم عليكم { وَرَحْمَتُهُ } الواسعة الشاملةُ لعموم عباده { مَا زَكَىٰ } وطهر وخلص { مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } متابعة الشيطان { أَبَداً } ما دمتم أحياء ؛ إذ متابعته مطبوعةُ لكم ، مستحسنةُ عندكم ، مقبولةُ لأنفسكم { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } المدبرَ لأمور عباده { يُزَكِّي } أي : يخلص ويطهر من غوائل الشيطان ووساوسه { مَن يَشَآءُ } رعايةً لحكمته ، وضبطاُ لمصلحته التي جَبل عباده عليها { وَٱللَّهُ } المطّلعُ لما ظهرَ وبطنَ { سَمِيعٌ } لأقوالهم { عَلِيمٌ } [ النور : 21 ] بقصهم ونياتهم . { وَ } بعدما جاء من القاذفين الآفيكن ما جاء ، انصرف عنهم المؤمنون وأعرضوا عن إنفاقهم ورعايتهم ، وحلفوا ألاَّ ينفقوا عليهم أصلاً ، مع أن بعضَهم في غاية الفاقة ، ردَّ الله على المؤمنين ، وحثهم على الإنفاق ، وأمرهم بالإحسان بدل الإساءة ، وقال : { لاَ يَأْتَلِ } أي : لا يحلف ولا يقصر { أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } في الدين { وَ } أولوا { ٱلسَّعَةِ } في الرزق { أَن يُؤْتُوۤاْ } أي : من ألاَّ يؤتوا أو على ألاَّ يؤتوا { أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي : الفقراء الذين ينتمون إليكم إيها المؤمنون بالقرابة { وَٱلْمَسَاكِينَ } الفاقدين لقوت يومهم ، ولا سيما الفقراء { وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } الباذلين أرواحَهم في ترويج دينه ؛ بسبب أنهم خاضوا في معصية الإفك والافتراء ، وجاءوا ببهتانٍ عظيمٍ ، وأحبوا أن يشيعوه ، ويتقولوا به ظلماً وزوراً . { وَ } بعد نزول آيات البرءاة ، والتنزيه في شأن العفيفة - رضي الله تعالى عنها - { لْيَعْفُواْ } أي : جملة المؤمنين عن ذوب القاذفين بعدما تابوا وندموا ، وقَبِل الله سبحانه منه توبتهم { وَلْيَصْفَحُوۤاْ } وليعرضوا عن جريمتهم ، ويصافحوا معهم ، وليعطوا لهم ما أعطوهم قبل { أَلاَ تُحِبُّونَ } أيها المقذوفون المطهرون البريئون { أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } زلتكم وذنوبكم بسبب عفوكم عنهم ، وصفحكم عما جاءوا به افتراءً { وَٱللَّهُ } المنتقم المجازي لعباده { غَفُورٌ } لهم يغفر زلتهم وذنوبهم بسبب عفوهم جرائم إخوانهم { رَّحِيمٌ } [ النور : 22 ] يرحمهم تفضلاً عليهم وامتناناً .