Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-34)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما أشار سبحانه إلى محافظة الحدود والآداب والألفة والمصاحبة بين المؤمنين ، ونهاهم عن أَمارات السفاح ومقدمات الزنا مطلقاً ؛ لئلا يجهل النسب وتختلط النُطف ، وقدَّمها اهتماماً بشأنها أراد أن يشير إلى النكاح الصوري المنبئ عن النكاح المعنوي ، فقال : { وَأَنْكِحُواْ } أيها الأولياء السادات ، المولون لأمور من في حفظكم وحضانتكم { ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ } وهو جمعُ : أيم ، هو العزب سواءً كان ذكراً أم أنثى ، بكراً أو ثيباً ، { وَ } أنكحوا أيضاً { ٱلصَّالِحِينَ } للنكاح والتزويج { مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } فعليكم أيها الولاة تزويج الأيامى ، ولا تبالوا بفقرهم وفاقتهم { إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ } عند النكاح { يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ } المصلح لأحوالهم { مِن فَضْلِهِ } وسعة جوده ورحمته لعباده بعد النكاح ، { } وَٱللَّهُ المدبرُ لأمور عباده ، المتكفلُ لأرزاقهم { وَاسِعٌ } يوسع عليهم من رزقه { عَلِيمٌ } [ النور : 32 ] برثاثة حالهم ، مغنٍ علمُه بهم عن سؤالهم . { وَلْيَسْتَعْفِفِ } أي : ليجتهد في العفة ، وتسكين الشهوة للفقراء { ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } أي : أسبابه وصداقه ، وليصبروا بمشاق العزوبة { حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ } المصلحُ لأحوالهم { مِن فَضْلِهِ } وسعة جوده ، فيجدون ما يتزوجون به . ثم أشار سبحانه إلى عتق الموالي ، وتخليصهم من ربقة الرق وعروة العبودية طلباً لمرضاة الله وعتقاً من عذابه ، فقال : { وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ } أي : العبيد الذي يطلبون { الْكِتَابَ } أي : الكتابة المتضمنة لعتقهم ، وخلاصهم عن الرق بعدما أدوا المبلغ المعهود ا لذي يكاتب عليها ، وهم { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أيها الموالي سواء كانوا عبيداً أو إماءاً ، قناً أو مدبراً أو مستولدة ، يطلبون منكم أن تعتقوهم على مالٍ تكتسبون لهم ؛ ليؤدوا إليكم منجماً ، وبعدما أدوا ما تكتبون لهم صاروا أحراراً معتقين { فَكَاتِبُوهُمْ } واعتقوهم على جُعلٍ { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } أي : علمتم وتفرستم فيهم بعدما فككتم رقابهم يكونوا صلحاء أمناء مؤمنين لا يُرجى منهم الشر والفساد { وَ } بعد عقدهم الكتابة { آتُوهُمْ } أيها المسلمون { مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ } من فضله تفكيكاً لرقابهم عن مذلة الرق وهوان العبودية . ثم أشار سبحانه إلى حسن المعاشرة مع المماليك ، ورعاية غبطتهم ، ومحافظة الحدود بينهم ؛ بحيث لا يُكرهونهم إلى ما لا يصلح لهم شرعاً وعادةً بل عقلاً ومروءةً ، سيما إ ذا استحصنوا وتحفظوا ، فقال على سبيل المبالغة في النهي : { وَلاَ تُكْرِهُواْ } أيها السادة المسلمون { فَتَيَاتِكُمْ } أي : شوابً جواريكم { عَلَى ٱلْبِغَآءِ } أي : الزنا مطلقاً سيما { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } وتحفظاً عن البغي مع قلة عقلهن ورشدهن ، فأنتم أحق بحفظهن وحصنهن مما لا يرتضيه العقل والشرع ، ولا تنصرفوا أيها الولاة عن مقتضى العقل والشرع { لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } وتطلبوا متاعها الفاني وحطامها الدني الزائل { وَمَن يُكْرِههُنَّ } سيما بعد نزول الزاجر { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم لعصة عباده ، سيما الظالم الخارج عن حدوده { مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } أي : من بعد إكارههم لهن { غَفُورٌ } يغفر لهن { رَّحِيمٌ } [ النور : 33 ] يرحمن عليهن إن كنّ مخلصات في التحصن ، ويعاقب على المكرهِين أشد العقاب ويعذبهم أسوأ العذاب . { وَ } كيف لا يعاقبكم الله أيها المسرفون المصرون على الفسوق والعصيان { لَقَدْ أَنْزَلْنَآ } من مقام جودنا وفضلنا { إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ } واضحاتٍ فيها ما هو صلاحُكم ونجاتُكم ، { وَ } أوضحناها لكم بأن أورنا فيها { مَثَلاً مِّنَ } أحوال الظلمة { ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ } ومضَوا { مِن قَبْلِكُمْ } لتعتبروا مما جرى عليهم من سوء صنيعهم { وَ } ليكون قصصُهم { مَوْعِظَةً } وتذكيراً { لِّلْمُتَّقِينَ } [ النور : 34 ] منكم المحترزين من بطشنا وانتقامنا ، ومع ذلك لم تعتبروا ولم تنزجروا ، فتستحقوا أشد العذاب وأسوأ العقاب مثلهم .