Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-62)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما كانت العرب يتحرّجون عن مصاحبة ذوي العاهات ، والمؤاكلة معهم استقذاراً ، وكانوا أيضاً يتحرّجون من البيوتات المذكورة تعظماً واستبكاراً ، بل يعدونه عاراً ، ويستنكفون منه ، ردَّ الله عليهم ونفى الحرج ، فقالِ : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } أن يأكل مع البصراء { وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ } أن يأكل مع السويِّ السالم ، ويجلس معه { وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } أن يأكلش مع الأصحاء { وَلاَ } حرجَ أيضاَ { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } في أكلكم مطلقاً سواءً { أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } وعند أهليكم ومحارمكم ، سواءً كان من أكسابكم وأكساب أولادكم { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } وأجدادكم ؛ لأنهم مستخلِفون لكم { أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ } لأن بينكم وبينهن مناسبة الكلية والجزئية { أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ } لا شتراككم معهم في المنشأ { أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ } لاشتراك آبائكم معهم في المنشأ { أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ } لاشتراك أمهاتكم معهم في المنشأ . { أَوْ } بيوت { مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } يعني : بيوت عبيدكم التي أنتم أسبابُ لإنشائها سواءُ كانوا معتَقين أم لا ، والتعبير عنهم بما : للتمليك والرّية { أَوْ } بيوت { صَدِيقِكُمْ } بالمناسبة المعنوية التي هي أقوى من القرابة النَّسَبية الصورية ، كل ذلك المذكور مسبوقُ بالإذن والرضا والتبسط والنشاط من أصحاب البيوتات . ثم أشار سبحانه إلى أدب المؤاكلة فقال : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً } مجتمعين في إناءٍ واحدٍ يأكل بعضكم سؤر بعض ؛ إذ هو أدخل في التأليف والتحابب { أَوْ أَشْتَاتاً } متفرقين كلُّ في إناءٍ ، وهذا أدخل في التزكية والنظافة { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً } أي : كلُ منكم بيتاً من البيوت التي رُخِّصتم بالأكل منها { فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي : فابدؤوا بالسلام على أهلها ؛ لأنهم منكم ديناً وقرابةً ، حتى صار سلامكم إياهم { تَحِيَّةً } وزيادة حياةٍ لهم { مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } تفضلاً عليهم وإحساناً { مُبَٰرَكَةً } كثيرةَ الخير والبركة النازلة من عده على أهلها { طَيِّبَةً } خالصةً صافيةً عن كدر النفاق وأثر الخلاف والشقاق { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ } الدالة على آداب أثر الخلاف والشقاق { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ النور : 61 ] رجاء أن تتفطنوا منها إلى أحوالكم في النشأة الأخرى ، فتزوَّدوا فيها لأجلها . ثم أشار سبحانه إلى محافظة الآداب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورعاية حقوقه ، وكمال الإطاعة والانقياد إليه فقال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الموحدون الكاملون ، المنكشفون بسرائر التوحيد الذاتي هم { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ } الجامع لجميع الأسماء والصفات المنسوبة إلى الذات الأحدية { وَرَسُولِهِ } الجامع لجميع مراتب المظاهر والمصنوعات ، لا يخرج عن حيطة مرتبته الجامعة الكاملة مرتبةُ من المراتب أصلاً { وَ } بعدما عرفتم جمعيته { إِذَا كَانُواْ } مجتمعين { مَعَهُ } صلى الله عليه وسلم { عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ } أي : أمرٍ مشروطٍ حصولهُ بالاجتماع والاقتحام كالزحف والجهاد والجُمَع والأعياد { لَّمْ يَذْهَبُواْ } ولم ينصرفوا من عنده صلى الله عليه وسلم { حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ } بالانفضاض والانصراف ، وإن كنتم مضطرين إلى الإياب والذهاب . ثم كرر سبحانه أمر الاستئذان على وجه أبلغ تأكيداً ومبالغةً ، فقال مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ } في الذهاب والانصراف محافظة على الأدب { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المستأذنون هم { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } حقاً { بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ويراعون الأدب معهما من صفاء بواطنهم وخلوص طوياتهم { فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ } يا أكمل الرسل بعد اضطرارهم { لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ } وأمرهم المتعلق بمعاشهم { فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } أي : أنت مخير في إذنهم بعد اضطرارهم { وَ } بعدما أذنتَ لهم { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ } من ذنبهم الذي اختاروا من أمر الدنيا على أمر العقبى ، واستأذنوا له واهتموا لشأنه { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لاستعدادات عباده { غَفُورٌ } يغفر لهم أمثال هذه الفرطات الاضطرارية { رَّحِيمٌ } [ النور : 62 ] مشفقُ حينئذٍ عليهم بعدما ندموا في نفوسهم .