Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-3)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَبَارَكَ } تعاظم وتعالى ذاته سبحانه من أن يحيط بمنافعه وكثرة خيراته وبركاته عقول مظاهره ومصنوعاته ، حتى يعدوها بألسنتهم ، ويعبروا عنها بأفواههم حالاً ومقالاً { ٱلَّذِي نَزَّلَ } بمقتضى جوده الواسع وكرمه الكامل { ٱلْفُرْقَانَ } الجامع لفوائد الكتب السالفة مع زوائد خلت عنها تلك الكتب تفضلاً وامتناناً ، ومزيد اهتمام { عَلَىٰ } شأن { عَبْدِهِ } صلى الله عليه وسلم بعدما هيأه لقبوله ، وأعدَّه لنزوله ، ورباه أربعين سنة تتميماً لأمر المناسبة المعنوية وتحصيلاتها ، حتى يستحق ويستعد للإلهام والوحي ، وإنما أنزل هذا { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ } أي : كافة المخلوقين على فطرة التكليف ، وعامة المجبولين على استعدد المعرفة { نَذِيراً } [ الفرقان : 1 ] ينذرهم ويحذرهم عما يضرهم ، ويغويهم عن صراط الحق وطريق توحيده عناية منه سبحانه إياهم ، ومرشداً لهم إلى مبدئهم . وكيف لا يرشدهم سبحانه وهو { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسماء والصفات المعبر عنها بالعلويات { وَٱلأَرْضِ } أي : الطبائع السفلية القابلة للانعكاس من العلويات ، فلا يضره كثرة الأسماء والصفات وحدوث العكوس والتعينات حسب الشئون والتجليات الإلهية وحدته الذاتية وانفراده الحقيقي { وَ } لهذا { لَمْ يَتَّخِذْ } سبحانه { وَلَداً } حتى يتكثر { وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ } في وجوده وملكه حتى ينازع ويتضرر ، بل له التصرف بالاستقلال والاختيار بلا مزاحمة العكوس والأظلال الهالكة في صرافة وحدته الذاتة وشمس ذاته { فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } ظهر حسب تجاليته على مقتضى أسمائه وصفاته . وبعدما أظهر ما أظهر { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] بديعاً ، ودبر أمره تدبيراً محكماً عجيباً بأن وفق بعضهم لاختراع أنواع الصنائع والحرفة البديعة والإدراكات الكاملة والتدبيرات الغريبة المتعلقة بتمدنهم لمعاشهم ، وجعل بعضهم آلة للبعَ ، وبعضهم مالكاً ، وبعضهم مملوكاً ، وأزواجاً وأصنافاً مؤتلفة وفرقاً وأضراباً مختلفة ، وأنواعاً متفاوتة إلى ما شاء الله { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] كل ذلك ليتعاونوا ويتظاهروا ، واختلطوا وامتزجوا إلى أن اعتدلوا وانتظموا ، وصاروا مؤتمنين مؤتلفين مؤانسين ، محتاجين كل منهم بمعاونة الآخر . وإنما فعل سبحانه ما فعل ؛ ليظهر كمالاته المندرجة في وحدة ذاته ، ويظهر سلطان الوحدة الذاتية بظهور ضده ، وبعدما بلغ الكثرة غايتها انتهت إلى الوحدة أيضاً كما بدأت منها وانتشأت عنها ، فحينئذٍ اتصل الأولُ بالآخر والظاهرُ بالباطن ، واتحد الأزلُ والأبدُ ، وارتفع الكثرة والعدد ، ولم يبقَ إلا الله الواحد الأحد الصمد { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 3 - 4 ] . { وَ } كيف لا يقدر سبحانه أمر عباده بإنزال الكتب ، وإرسال الرسل المرشدين لهم إلى توحيده بعدما تاهوا في بيداء الكثرة والضلال ، مع أنهم { ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ } سبحانه { آلِهَةً } يعدونها كعبادته ، مع أن آلهتهم الباطلة { لاَّ يَخْلُقُونَ } ولا يوجدون ويظهرون { شَيْئاً } من المخلوقات حتى يستحقوا الألوهية والعبادة ، مع أن من شأن الإله الخلق والإيجاد حتى يستحق للتوجه والرجوع إليه ، بل { وَهُمْ } في أنفسهم { يُخْلَقُونَ } أي : مخلوقون مقدورون لا قادرون خالقون ، بل { وَ } هم مرادون ، والمخلوقات التي هي الجمادات ؛ إذ { لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ } أيضاً { ضَرّاً } أي : إماتة لأحدٍ { وَلاَ نَفْعاً } اي : جلب نفع إليها { وَلاَ يَمْلِكُونَ } أيضاً { مَوْتاً } أي : إماتة لأحد { وَلاَ حَيَـاةً } أي : أحياءً له { وَلاَ نُشُوراً } [ الفرقان : 3 ] أي : بعثاً وحشراً بعد الموت للجزاء ، ومن كان وصفه هذا كيف تتأتى منه الألوهية والربوبية المقتضية للعبودية ؟ ! .