Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 4-8)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعدما أنزلنا القرآن الفرقان على عبدنا ؛ ليهدي التائهين بيداء الغفلة والضلال { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالله ، وأعرضوا عما جاء من عنده ، ولتكميل الناقصين : { إِنْ هَـٰذَا } أي : ما هذا الذي جاء به هذا المدعي { إِلاَّ إِفْكٌ } كذب يصرف عن الحق ويلبس الباطل بصورته ؛ لأنه { ٱفْتَرَاهُ } أي : اختلقه عن عمدٍ ، ونسبه إلى الوحي تغريراً وترويجاً لأمره { وَ } مع ذلك { أَعَانَهُ عَلَيْهِ } ولقَّن له فحواه { قَوْمٌ آخَرُونَ } وهم أحبار اليهود ، وبعدما سمع فحواه منهم ، عبر عنه بلفظ فصيح ، وأفرغه في قالب بليغ ، فأتى به على الناس ، ولقبه الفرقان المعجز ، والقرآن البرهان المثبت المنزل عليه من ربه بطريق الوحي والإلهام ؛ ترويجاً لمفترياته وتقريراً للناس على قبولها { فَقَدْ جَآءُوا } أي : أولئك المسرفون المفرطون بجعل القرآن الفرقان المعجز - لفظاً ومعنى - إفكاً صرفاً وافتراءً محضاً { ظُلْماً } خروجاً فاحشاً عن حد الاعتدال { وَزُوراً } [ الفرقان : 4 ] قولاً كذباً ، وبهتاناً ظاهراً متجاوزاً ع الحد ، مسقطاً للمروءة سقوطاً تاماً ؛ إذ نسبة هذا الكتاب الذي { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] إلى أمثال هذه الخرافات التي جاءوا بها أولئك الجهلة بشأنه في غاية الظلم والزور ونهاية المراء والغرور . { وَقَالُوۤاْ } أيضاً في حق هذا الكتاب ما هو أفحش منه ، وأبعد من شأنه بمراحل ، وهو : إنه { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أكاذيب سطرها المتقدمون فيما مضى ، وهو { ٱكْتَتَبَهَا } أي : استنسخها من حَبْر ، وكتبها له كاتب ، وبعدما أخذ سوداها { فَهِيَ } الأساطير المذكورة { تُمْلَىٰ } وتُقرأ { عَلَيْهِ } أي : على محمد صلى الله عليه وسلم { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] أي : غداةً وعشياً على سبيل التكرار ليحفظها ؛ إذ هو أمي لا يقدر على أن يكرر من الكتاب ، وبعدما حفظها ، قرأها على الناس مدعياً أنها موحى من عند الله ، أنزلها عليه ملك سماوي اسمه جبرائيل ، أو تُملى عليه على سبيل التعليم ليكتب لنفسه . { قُلْ } يا أكمل الرسل بعما سمعت مقالهم ، وتفرست حالهم في العتو وأنواع الإنكار والفساد : { أَنزَلَهُ } أي : الفرقان عليَّ مع أني أمي كما اعترفتم ، لا قدرة لي على الإملاء فكيف على الإنشاء العليم ؟ ! { ٱلَّذِي يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { ٱلسِّرَّ } المكنون والحكمة الكامنة { فِي } أشكال { ٱلسَّمَاوَاتِ وَ } أقطار { ٱلأَرْضِ } ولهذا أعجزكم بكلامه هذا عن آخركم مع أنكم من ذوي اللسن والفصاحة ، وأعلى طلبقات البلاغة والبراعة ، فعجزتم عن معارضته ؛ ومع ذلك ما تستحيون أيها المسرفون المفرطون نسبتم إليه ما هو بريء عنه ، بنسبتكم هذه استوجبتم العذاب والعقاب عاجلاً وآجلاً ، إلا أنه سبحانه أمهلكم رجاء أن تتنبهوا بسوء صنيعكم هذا ، فترجعوا إليه سبحانه تائبين نامين ، فيغفر لكم ما تقدم من ذنوبكم ، ويرحمكم بقبول توبتكم { إِنَّهُ } سبحانه في ذاته { كَانَ غَفُوراً } للأوابين التوابين { رَّحِيماً } [ الفرقان : 6 ] للمتندمين المخلصين . وبعدما أفرطوا في طعن الكتاب المنزل والقدح فيه ، ولم يقصروا على طعنه وقدحه ، بل أخذوا في طعن من أُنزل إليه حسب عداوتهم وشدة شكيمتهم وضغينهم معه ، { وَقَالُواْ } مستهزئين متهكمين : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ } يدعي الرسالة والنبوة مع أنه لا يتميز عن العوام { يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } كما نأكل { وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } لضبط أمور معاشه كما نمشي ، فما مزيته علينا وامتيازه عنا حتى يكون رسولاً ؟ وإن كان صادقاً في دعوى نزول الملك إليه بالوحي { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } ظاهراً بلا سترة حتى نراه ونعاين به ، ونؤمن له بلا ترددٍ { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } [ الفرقان : 7 ] أي : يكون الملك المنزل ردءاً له في إنذارنا وتبليغ الدعوة إلينا . { أَوْ } هلا { يُلْقَىٰ إِلَيْهِ } من قبل ربه { كَنْزٌ } فيستغني به عن الخلق ، فتتبعه طعماً للأحاسن { أَوْ } هلا { تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ } موهوبة له من ربه فيها أنواع الثمرات والفواكه { يَأْكُلُ مِنْهَا } رغداً ويترفه بها أمداً ، وبالجملة : ما له هذا ولا ذاك ولا ذلك ، فمن أين نصدق برسالته ، وبأي شيء نعتقده نبياً ؟ { وَ } بعدما بالغوا في قدحه وإنكاره وأفرطوا في استهزائه وسوء الأدب معه صلى الله عليه وسلم ، وبالجملة : { قَالَ ٱلظَّالِمُونَ } المنكرون المستكبرون على سبيل الذب ، والإعراض لضعفاء الأنام عن متابعته صلى الله عليه وسلم : لو صدقتم أيها الناس وآمنتم به من أنكم سمعتم أنه لا مزية له عليكم ، ولا امتياز بينه وبينكم { إِن تَتَّبِعُونَ } أي : ما تتبعون حينئذ ، وتؤمنون { إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } [ الفرقان : 8 ] مجنوناً سُحر له ، فجُنَّ واختل عقله وكلَّ فهمه ، لذلك تكلم بكلام المجانين ، فعجز عن معارضته العقلاء ؛ إذ العقل قاصر عن مموهات الوهم وتسويلات الخيال .