Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 37-42)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } كذا دمرنا { قَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ } أي : حين كذبوا نوحاً ومن مضى قبلهم من الأنبياء ؛ إذ أمرهم نوح بتصديقهم والإيمان بهم فكذبوا بهم تبعاً ؛ لذلك { أَغْرَقْنَاهُمْ } بالطوفان { وَجَعَلْنَاهُمْ } أي : جعلنا إغراقنا إياهم بالمرة { لِلنَّاسِ } المعتبرين من أمثال هذه الوقائع { آيَةً } علامة وعبرة تعتبرون منها وتستوحشون ، وتحسنون الأدب مع الله ورسوله خوفاً من بطشه وانتقامه { وَ } كيف لا يخافون من أخذنا وبطشنا ؛ إذ { أَعْتَدْنَا } وهيأنا { لِلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى حدودنا { عَذَاباً أَلِيماً } [ الفرقان : 37 ] مؤلماً أشد إيلام ، وانتقمنا منهم أصعب انتقام ؟ ! . { وَ } دمرنا أيضاً { عَاداً وَثَمُودَاْ } يعني : قوم هود وصالح على المكذبين بتكذيبهم إياهما ، وإنكارهم على ما ظهرا عليه من الدعوة إلى طريق الحق { وَ } كذا دمرنا { أَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } أيضاً بتكذيبهم رسولهم . قيل : كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله سبحانه إليهم شعيباً عليه السلام فكذبوه ، وهم يسكنون حينئذٍ حول الرسل ، وهو البئر الغير المطوية فانهارت ، فخسفت بهم وبدارهم . وقيل : الرسل قرية بفلج اليمامة ، كان فيها بقايا ثمود ، فبعث الله إليهم نبياً فقتلوه فهلكوا . وقيل : أصحاب الرس هي أصحاب الأخدود ، وقيل : هو بئر بأنطاكية ، قتلوا فيها حبيب النجار . وقيل : هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي عليه السلام ، ابتلاهم الله بطيرٍ عظيمٍ كان فيها من كل لونٍ ، وسموها عنقاء ؛ لطول عنقها ، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له : فتخ أو دمخ ، وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ؛ فلذلك سميت مغرَّباً ، فدعا عليها حنظلة عليه السلام فأصابتها الصاعقة ، ثمَّ إنهم كذبوا حنظلة فقتلوه ، فأُهلكوا لذلك . وقيل : قوم قتلوا نبيهم ، فرسُوه ؛ أي : دسوه في بئر . { وَ } بالجملة : دمرنا بواسطة تكذيب رسلنا { قُرُوناً } أُخر ؛ أي : أهل قرون وأعصارٍ ، قيل : القرن أربعون سنة ، وقيل : مائة وعشرون سنة { بَيْنَ ذَلِكَ } المذكور من الأمم الهالكة { كَثِيراً } [ الفرقان : 38 ] لا يعلم عددها إلا الله . { وَ } بالجملة : { كُلاًّ } من الأمم الهالكة المذكورة وغير المذكورة { ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } أولاً من الذين هلكوا قبلهم بالتكذيب ، وبيَّنا لهم الأحكام والشرائع الموضوعة على مقتضى حكمتنا ومصلحتنا ، فكذبوهم ظلماً وعدواناً فأهلكناهم بتكذيبهم خيبةً وخسراناً { وَ } بواسطة تلك الخصلة المذمومة المشتركة بينهم { كُلاًّ } منهم { تَبَّرْنَا } وفتتنا أجزاءه { تَتْبِيراً } [ الفرقان : 39 ] تفتيتاً وتشتيتاً إلى حيث لم يبقَ منهم أحد يخلفهم ويحيي اسمهم . ثمَّ أخذ سبحانه بتعيير قريش وتوبيخهم وقساوة قلوبهم ، وشدة شكيمتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكمال غيهم وغفلتهم عن الله ، ونهاية عمههم وسكرتهم ، وعتوهم واستكبارهم في أنفسهم إلى حيث لم يتأثروا ولم يتعظوا مما جرى على أمثالهم من العصاة والبغاة ، المتمردين على الله ورسوله ، فقال سبحانه مؤكداً بالقسم على سبيل التعجب من شدة قساوتهم : { وَ } الله { لَقَدْ أَتَوْا } يعني : قريشاً كانوا يذهبون إلى الشام ؛ للتجارة ويمرون في كل مرة ذهاباً وإياباً { عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ } على أهلها { مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } يعني : الحجارة ؛ قهراً من الله إياهم ، وزجراً لهم من سوء فعالهم وخروجهم من حدود الله وسوء الأدب مع الله ورسوله ؛ يعني : لوطاً ، والقرية سدوم معظم بلاد قوم لوط . { أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا } في مرات مرورهم ؛ حتى يتذكروا ويتعظوا منها { بَلْ كَانُواْ } يرونها في كل مرةٍ ؛ إذ هي على جنب الطريق ، لكن بكفرهم بالله وكمال قدرته وعزته { لاَ يَرْجُونَ } أي : لا يأملون { نُشُوراً } [ الفرقان : 40 ] أي : يوم ينشرون فيه للجزاء ، ولا يخافون مما سيجري عليهم فيه ؛ لذلك لم يعتبروا ولم يتعظوا منها ومما جرى على أهلها . { وَ } من كمال استكبارهم وشدة غيظهم معك يا أكمل الرسل { إِذَا رَأَوْكَ } في المرأى { إِن يَتَّخِذُونَكَ } أي : ما يتخذونك ، ولا يحدثون عنك وفي شأنك { إِلاَّ هُزُواً } أي : كلاماً مُشعراً بالاستهانة والاستحقار والسخرية ؛ حيث يقولون في كل مرة من مرات رؤيتهم بك متهكمين : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ } لكم { رَسُولاً } [ الفرقان : 41 ] يرشدكم ويهديكم إلى توحيد ربه ، ويقيم عليكم الحجج والبراهين ؛ ليصرفكم عن آلهتكم وآلهة آبائكم وأسلافكم ؟ ! . ومن كمال جده وجهده في أمره ونهاية مبالغته في السعي والاجتهاد { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } أي : إنه قرُب ؛ ليضلنا ويصرفنا { عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا } أي : ثبتنا ومكَّنا ووطنا نفوسنا { عَلَيْهَا } لصرفنا عن آلهتنا ؛ أي : على عبادة آلهتنا ، وأضلنا عن طريق عبادتهم ؛ لسعيه التام وجده البليغ في ترويج دينه وإثبات دعواه ، وكثرة إظهار ما يخيل له أن حجج ومعجزات وكمال فصاحةٍ في تبيينها ، وبالجملة : لولا صبرنا وثباتنا على ديننا لضللنا عن آلهتنا بإضلاله ، قال سبحانه رداً عليهم على سبيل التهديد والتوبيخ : { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أولئك الحمقى الجاهلون { حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } النازل عليهم { مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان : 42 ] وأخطأ طريقاً ، وأسوأ حالاً ومآلاً ، أنتم أيها الجاهلون المصرون على الجهل والعناد ، أم المؤمنون ؟ .