Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 72-77)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } المؤمنون المقبولون المبرورون عند الله ، هم { ٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } أي : الشهادة الباطلة المسقطة للعدالة والمروءة أصلاً { وَ } أيضاً { إِذَا مَرُّواْ } فجأة بلا سبق ترقب منهم وتجسس { بِاللَّغْوِ } مطلقاً : أي : ما يجب أن يلغو ويطرح من المكروهات والمحظورات والمستقبحات ، سواء كان قولياً أو فعلياً { مَرُّوا } عليها { كِراماً } [ الفرقان : 72 ] أي : مكرِّمين أنفسهم عن الوقوف عليه ، مستغفرين من الله لمن ابتلاه الله به غاضين أبصارهم عن تدقيق النظر نحوه وتكرير المشاهدة إليه ، والمبالغة في المطارحة والمطالعة فيه ، وبالجملة : مرو باللغو على وجه التلطف والرفق والتليين ، بحيث يستحيي من رفعته ولطفه المبتلون به ؛ لعل الله يتوب عليهم بكرامة كرمه ، إلى حيث لا يحومون حول ذلك اللغو بد ذلك أصلاً . { وَ } هم { الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ } ووعظوا { بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } الدالة على توحيده واستقلاله في ألوهيته وربوبيته { لَمْ يَخِرُّواْ } ولم يسقطوا { عَلَيْهَا } أي : على الآيات { صُمّاً } أصمين غافلين عما فيها من الأوامر والنواهي ، والعبر والأمثال ، والرموز والإشارات { وَعُمْيَاناً } [ الفرقان : 73 ] أعمياء عن مطالعة آثار أوصاف صفاته الجلالية والجمالية فيها بل يخرون ويتذللون عند سماعها ، واعين حافظين بما فيها من المواعظ والتذكيرات المتعلقة لأحوالهم في النشأتين ، مطالعين منها آثار الأوصاف والأسماء الإلهية ، ناظرين عليها بنظر الاعتبار والاستبصار . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ } داعين مناجين متضرعين قائلين : { رَبَّنَا } يا من ربانا على فطرة التوحيد والإيقان { هَبْ لَنَا } بفضلك ، وسعة لطفك وجودك من في حوزتنا وجوارنا { مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } أي : أجعلهم بحيث تقر وتتنور عيوننا برؤيتكم من كمال صلاحهم وسدادهم ، ممتثلين بأوامرك ، مجتنبين عن نواهيك { وَ } بعدما وهبتنا يا مولانا ولأهلينا ما تقر به عيوننا من الاتقاء عن محارمك والامتثال بأوامرك ، و { ٱجْعَلْنَا } بلطفك { لِلْمُتَّقِينَ } المحترزين الحذرين عن محارمك ومنهياتك { إِمَاماً } [ الفرقان : 74 ] مقتدى بهم ، نرشدهم إلى طريق توحيدك . وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله ، المذكورة أوصافهم من قوله سبحانه : { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ … } [ الفرقان : 63 ] إلى هنا ، هم الذين { يُجْزَوْنَ } من عند ربهم تفضلاً عليهم وامتناناً { ٱلْغُرْفَةَ } وهي أعلى درجات الجنان { بِمَا صَبَرُواْ } أي : بسبب ما صبروا على مشاق الطاعات ومتاعب الرياضات ، والتحمل على قطع التعلقات وترك المألوفات ، والذب عن جملة المشتهيات والمستلذات { وَ } بعدما استقروا عليها { يُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً } وترحيباً من الملائكة من جميع الجوانب { وَسَلاَماً } [ الفرقان : 75 ] أي : سلامة عن جميع الآفات . { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : في الجنة لا يتحولون عنها ولا يتبدلون ، بل دائمون فيها مقيمون ؛ لذلك { حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً } مستقرون فيها ومتمكنون عليها { وَمُقَاماً } [ الفرقان : 76 ] يقيمون ويتوطنون فيها . ثمَّ لمَّا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عموم المشركين إلى الإيمان والتوحيد ، وأمرهم بالإطاعة والانقياد على ما أمرهم الله ، ونهاهنم عما نهاهم سبحانه على مقتضى الوحي الإلهي والكتاب المنزل من عنده كذبوه ، وأنكروا له قائلين : نحن لا نؤمن بك ولا بكتابك ولا بربك الذي ادَّعيت الرسالة عنه ، ولا نطيع بما أُمرنا ونُهينا عنه ، وبالجملة : لا نقلل منك جميع ما جئت به من قِبَل ربك ، ونسبته إليه افتراءً ومراءً . ردَّ الله عليهم قولهم هذا على أبلغ وجه وآكده مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم ، آمراً له بقوله : { قُلْ } لهم بعدما انصرفوا عن دعوتك ، والإيمان بك وبربك والعمل بكتابك : { مَا يَعْبَأُ } أي : ما يبالي ويعتد بكم وبإيمانكم وكفركم { بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } أي : إطاعتكم وعبادتكم إياه وانقيادكم له { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } بي وبربي ، وأنكرتم بجميع ما جئتُ به من عنده سبحانه عناداً ومكابرةً ، الزموا مكانكم فتربصوا ، وانتظروا لجزاء تكذيبكم وإنكاركم { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } [ الفرقان : 77 ] أي : سكون جزاء تكذيبكم حتماً لازماً عليكم غير منقطعٍ عنكم أبداً ، بل يكبكم في النار خالدين صاغرين ، ويعذبكم فيها مهانين ذليلين ، نعوذ بك منك يا ذا القوة المتين . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي اللازم لتهذيب الأخلاق عن الرذائل ، وتطهير الصفات عن الذمائم ، والأطوار عن القبائح ، والأسرار عن الميل إلى السوى والأغيار من الأمور المنافية المكدرة لصفاء مشرب التوحيد ، أن تتأمل وتتعمق في مرموزات الآيات العظام المذكورة في هذه السورة ، سيما في الآيات التي وصفَ بها سبحانه خلَّص عباده المتحققين لمرتبة العبودية ، المنكشفين بسعة اسمه الرحمن ، المظهر لمظاهر الأكوان شهادةً وغيباً ، وتتدبر في إشاراتها حق التدبر والتفكر إلى أن يتسرخ في قلبك معانيها رسوخاً تاماً ، وينتفش في صحيفة سرك وخاطرك فحاويها انتقاشاً كاملاً ، إلى أن تصير من جملة وجدانيتك وذوقك . وبعدما صرت ذا وجدان وحالٍ بها ، وذقت حلاوتها فزت بغرفان جنة الرضا والتسليم ، فحينئذٍ يترشح في صدرك رشحات بحر الوحدة الذاتية ، واستنشقت من نفحات النفسات الرحمانية المهبة من فناء الحضرة الأحدية المصفية من التعينات الهيولانية والتعلقات الطبيعية ، فلك ألاَّ تنظر ولا تلتفت بعد ذلك إلى مقتضيات علائق ناسوتك مطلقاً ، وتجمع همك نحو لوازم لا هوتك ، لعل الله ينقذك بفضله عن أغلال أنانيتك وسلاسل بشريتك بمنِّة وجوده .