Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-113)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ قال سبحانه مخبراً عن المكذبين : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 105 ] لأن تكذيب نوح والإنكار على إرساله يستلزم تكذيب مطلق الإرسال ، فيستلزم تكذيبه جميع الرسل الذين مضوا قبله ، بل سيأتي بعده من الرسل ؛ لاتحاد المرسل والمرسل به . وذلك وقت { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } حين ظهرت عليهم أمارات الكفر والفسوق ، والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة على العدالة المعنوية ، والقسط الحقيقي : { أَلاَ تَتَّقُونَ } [ الشعراء : 106 ] وتحذرون عن محارم الله أيها المكلفون المسرفون . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ } من قبل الحق { أَمِينٌ } [ الشعراء : 107 ] بينكم ، أرشدكم إلى ما يعنيكم وينفعكم ، وأجنبكم عمَّا يضركم ولا يعنيكم ، بل يؤذيكم ويغويكم . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على أنواع الانتقام { وَأَطِيعُونِ } [ الشعراء : 108 ] في جميع ما جئت به من قبل ربي . { وَ } اعلموا أني { مَآ أَسْأَلُكُمْ } وأطلب منكم { عَلَيْهِ } أي : على إرشادي وتكميلي وإصلاحي لكم ما أفسدتم على أنفسكم من الأخلاق والأعمال { مِنْ أَجْرٍ } جعل ومال كما يسأل المتشيخة - خذلهم الله - من مريديهم ومحبيهم ، بل { إِنْ أَجْرِيَ } أي : ما أجري { إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 109 ] فإنه سبحانه أرسلني إليكم ، وأمرني بتبليغ ما أُوحي إليَّ إليكم . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } حق تقاته ، واحذروا من بطشه وانتقامه { وَأَطِيعُونِ } [ الشعراء : 110 ] في جميع ما جئت به من عنده من الأوامر والنواهي المصلحة لمفاسد أحوالكم ؛ حتى تستقيموا وتعتدلوا في النشأة الأولى ، وتفوزوا بما وعد لكم ربكم في النشأة الأخرى . { قَالُوۤاْ } في جوابه مستكبرين مستهزئين : { أَنُؤْمِنُ لَكَ } ونتبعك نحن من شرفنا وثروتنا { وَ } قد { ٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] منا ، الأقلون مالاً ، الأنزلون جاهاً ورتبةً . ومن هذا ظهر أن مناط الأمر عندهم على الحطام الدنيوية والمفاخرة بها ، وإظهار الجاه والثروة بسببها ، ومتابعتهم إنما هي لحصولها لا لأغراض دينية ومصلحة أخروية مصفية لبواطنهم عن العلائق العادية ، والشواغل الهيولانية العائقة عن الوصول إلى مقر التوحيد . لذلك { قَالَ } نوح مشتيكاً إلى الله ، مفوضاً { وَمَا عِلْمِي } وإدراكي محيطاً { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الشعراء : 112 ] ويأملون في نفوسهم من أي غرض وسبب يؤمنون بي ويمتثلون بأمري ؛ إذ ما لي اطلاع على ضمائرهم وسرائرهم ، بل بظواهرهم . { إِنْ حِسَابُهُمْ } أي : ما حسابهم المتعلق بمواطنهم وأسرارهم { إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي } المطلع لخفايا الأمور ومغيباتها { لَوْ تَشْعُرُونَ } [ الشعراء : 113 ] وتدركون ما أبثت لكم من الكلام لفهمتم ما هو الحق منه ، ولكنكم أنتم قوم تجهلون ؛ لذلك تقولون ما لا تعلمون وتفهمون .