Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 114-122)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } إذا سمعتم مقالتي هذه فاعلموا أني { مَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 114 ] ونافيهم من عندي ؛ بسبب مليكم إلي واستدعائكم طردهم ، وتوفيقكم الإيمان بي على تبعيدهم . { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ } من قبل الحق { مُّبِينٌ } [ الشعراء : 115 ] ظاهر الحجج ، واضح البينات والمعجزات بالنسبة إلى عموم المكلفين سواء كانوا فقراء أو أغنياء ؛ إذ الإيمان والتوحيد ، والتدين والإخلاص إنما هي من أفعال القلوب ، لا مدخل للأمور الخارجية فيها التي هي الغناء والثروة ، والفقر والرذالة ، فمن وفقه الحق على التوحيد ، وسبقت له العناية في سابق القضاء ، فهو مؤمن سواء كان غنياً أو فقيراً ، ومن سبق عليه الغضب الإلهي ، وكتب في لوح القضاء من الأشقياء ، فهو كافر نافٍ للصانع ، مشرك سواء كان غنياً أو فقيراً . وبعدما سمعوا منه ما سمعوا من عدم مبالاته بهم وثباتهم ، وعدم رعاية جانبهم وغبطتهم { قَالُواْ } من فرط عتوهم واستكبارهم : { لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ } عن دعوتك وادعائك هذا ، أو لم تترك هذياناتك التي جئت بها من تلقاء نفسك افتراءً ومراءً { لَتَكُونَنَّ } بإصرارك عليها { مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } [ الشعراء : 116 ] المقتولين بالحجارة زجراً وقهراً ، فارجع إلى حالك ، وتب من هذياناتك ؛ حتى لانقتلك بأقبح الوجوه . وبعدما قنط نوح عن إيمانهم ، وآيس من توحيدهم وعرفانهم { قَالَ } مشتكياً إلى الله ، ملتجئاً نحوه : { رَبِّ } يا من رباني بأنواع الكرامة ، ووفقني على الهداية والتوحيد { إِنَّ قَوْمِي } الذي بعثني إليهم ؛ لأهديهم إلى دينك وطريق توحيدك { كَذَّبُونِ } [ الشعراء : 117 ] بجميع ما جئت به من عندك تكذيباً شديداً ، وسفهوني تسفيهاً بليغاً ، بل قصدوا مقتي وقتلي بأشد العذاب وأقبح العذاب . وبالجملة : ما بقي بيني وبينهم ائتلاف وارتباط { فَٱفْتَحْ } واحكم يا ربي بمقتضى عدلك { بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً } حكماً مبرماً ، منجزاً لوعدك الذي وعدتني به بعدما كذبوني وأنزل عليهم العذاب الموعود من عندك { وَ } بعد إنزال العذاب عليهم { نَجِّنِي } منه بلطفك { وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 118 ] المصدقين بدينك ونبيك ، الممتثلين بأوامرك ، المجتنبين عن نواهيك بفضلك وطولك . وبعد إفراطهم وإصرارهم المتجاوز عن الحد في الإعراض عن الله ، والانصراف عن دينيه وتكذيب نبيه ، وإيذائه إياه من آمن له من المؤمنين ، أنزل الله عليهم الطوفان الموعود { فَأَنجَيْنَاهُ } أي : نوحاً { وَمَن مَّعَهُ } من متابعيه ومصدقيه بأن أدخلناهم { فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ الشعراء : 119 ] المملوء منهم ، ومن كل شيء زوجين اثنين . { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ } أي : بعد إنجائنا ، وإدخالنا نوحاً ومن معه في الفلك { ٱلْبَاقِينَ } [ الشعراء : 120 ] من قومه إلى حيث لم يبقَ منهم أحد على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة . { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإنجاء والإغراق { لآيَةً } عظيمة دالة على كمال قدرتنا وسطوتنا وعلو شأننا وبسطتنا { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم } أي : أكثر الناس { مُّؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 121 ] بوحدة وجودنا ، وكمال قدرتنا وعزتنا ، ومتانة حكمنا وحكمتنا . { وَإِنَّ رَبَّكَ } الذي وفقك يا أكمل الرسل على الإيمان والتوحيد ، وكشف لك سر سريان وحدته الذاتية على هياكل المظاهر { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القاهر في نفسه ، بحيث لم يكن أحد في فضاء الوجود سواه ولا إله معه ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع العليم { ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 122 ] لخلَّص عباده ممن جذبته العناية الأزلية نحو بابه ، ويسر له الوصول إلى جنابه ، ربِّ اجعلنا من المنجذين إليكم ، المنكشفين بوحدة ذاتك .