Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 146-159)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَتُتْرَكُونَ } وتبقون { فِي مَا } أي : في أنواع النعم ، وأصناف الإحسان والكرم ، وتستمرون { هَاهُنَآ } أي : في هذه النشأة كذلك { آمِنِينَ } [ الشعراء : 146 ] بلا فترة انتقال وتحويل ، مترفهين { فِي جَنَّاتٍ } أي : حدائق وبساتين { وَعُيُونٍ } [ الشعراء : 147 ] جاريات فيها { وَزُرُوعٍ } كثيرة في أطرافها { وَ } لا سيما { نَخْلٍ } لطيف { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [ الشعراء : 148 ] إذ هو ينكسر وينهضم بسهولة ، ويستحيل دماً بسرعة . { وَ } من كمال بطركم ، ونهاية حرصكم وأملكم { تَنْحِتُونَ } أي : تثقبون وتنقبون { مِنَ ٱلْجِبَالِ } المتحجرة { بُيُوتاً } ومخازن تدخرون وتخزنون أمتعتكم فيها ؛ صوناً لها عن أنواع الحادثات بطرين { فَارِهِينَ } [ الشعراء : 149 ] متنعمين . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } المحول للأحوال ؛ حتى لا يبدل يسركم إلى العسر ، وتنعيمكم إلى التنقيم { وَأَطِيعُونِ } [ الشعراء : 150 ] في نصحي وتذكيري . { وَلاَ تُطِيعُوۤاْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الشعراء : 151 ] في الإغراء على المعاصي والتغرير فيها ؛ إذ هم { ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ } بأنواع الفسادات ، ومن جملتها : إفسادكم وإغراؤكم إلى ما يضركم { وَلاَ يُصْلِحُونَ } [ الشعراء : 152 ] مفاسد أحد . وبعدما سمعوا من صالح ما سمعوا من النصيحة والإرشاد ، وأنواع الإصلاح والسداد { قَالُوۤاْ } من فرط تعنتهم وعنادهم ، وكمال توغلهم في بحر الغفلة والغرور : { إِنَّمَآ أَنتَ } يا صالح { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } [ الشعراء : 153 ] المختلين المخبطين عقولهم بالسحر . لذلك تتخيل أنك رسول مرسل من قبل الحق هادٍ إلى طريقه ، مع أنك { مَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } بلا رجحان لك علينا ، ولم يعهد إرسال البشر إلى البشر ، وبعدما عيروه وشنعوا عليه قصدوا تعجيزه ، فأمروه بإتيان البرهان على صدقه ، فقالوا متهكمين : { فَأْتِ } يا صالح { بِآيَةٍ } معجزة دالة على صدقك في دعواك { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الشعراء : 154 ] . { قَالَ } صالح : معجزتي الدالة على حقية دعوتي ورسالتي { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ } مخرجة من الصخرة بإخراج الله بعدما اقترحتموني بإخراجها ، فدعوت الله القادر المقتدر على اختراع الامور المستبدعة ، وأتضرع نحوه فقل دعائي ، فأخرجها بقدرته على الوجه الذي اقترحتم ، فاعلموا أيها المنهمكون في بحر الغفلة والغرور أنه { لَّهَا } أي : للناقة { شِرْبٌ } أي : معين لشربها من بئركم بتعيين الله إياها { وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الشعراء : 155 ] معين . فعليكم ألاَّ تتجاوزوا من شربكم إلى شربها ، ولا تضروا بها { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } من ضرب وعقر ، وظمأ وجوع ، فإنكم أن تمسوها بسوء { فَيَأْخُذَكُمْ } وينزل عليكم { عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الشعراء : 156 ] وصف به ، لعظم ما فيه من العذاب . ثمَّ لمَّا أوصاهم بحفظها وحضانتها ، وبالغ في شأنها لم يقبلوا منه ، ولم يبالوا بقوله فاجتمعوا على عقرها متفقين { فَعَقَرُوهَا } بعدما اتفق الكل { فَأَصْبَحُواْ } بعدما عقروها { نَادِمِينَ } [ الشعراء : 157 ] خائفين من نزول العذاب ، لا تائبين آيبين عمَّا فعلوا من ترك المأمور وارتكاب المنهي . وبعدما استحقوا العذاب بصنيعهم هذا { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } الموعود المعهود من قبل الحق فنزل عليهم ، فأهلكهم بالمرة إلى حيث لم يبق منهم أحد على وجه الأرض { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الابتلاء والإنزال والإهلاك { لآيَةً } عظيمة مثبتة لكمال قدرة الله وقهره على مقتضى صفاته الجلالية { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 158 ] بقهره وجلاله . { وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القاهر على أعدائه بمقتضى غضبه وجلاله { ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 159 ] المشفق على أوليائه حسب اقتضاء لطفه وجماله .