Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 20-28)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } موسى في جوابه معترفاً بما صدر عنه في أوان جهله وغفلته : { فَعَلْتُهَآ } أي : الفعلة المذكورة المذمومة { إِذاً } أي : حينئذٍ { وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [ الشعراء : 20 ] في تلك الحالة ، الجاهلين بعواقب الأمور ، الغافلين بما يترتب عليه من الأوزار . وبعد فراري منكم ؛ لأجلها وصلت إلى خدمة مرشد رشيد يرشدني ويربيني بأنواع الكرامات { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي } من أثر صحبته وحسن تربيته { حُكْماً } أي : حكمة متقنة كاملة { وَجَعَلَنِي } بفضله { مِنَ } جملة { ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 21 ] فأرسلني إليكم ؛ لأدعوكم إلى توحيده . ثمَّ شرع موسى في جواب ما منَّ عليه فرعون من حقوق النعمة والتربية فقال : { وَتِلْكَ } النعمة التي عددت { نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ } ليست تبرعاً ؛ حتى أكون ممنوناً بها ، بل ما هي إلاَّ { أَنْ عَبَّدتَّ } زماناً قومي { بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 22 ] بل لها صاغرين مهانين مظلومين بأنواع الظلم والهوان ، فما أنا ممنون منك حقيقة ، بل منهم ؛ لأنهم متسببون لتربيتك وحضانتك بي . وبعدما جرى بينهم ما جرى { قَالَ فِرْعَوْنُ } مستكبراً ، مستفهماً على سبيل الاستبعاد والإنكار : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 23 ] أي : ما هو ؟ وما ما هيته وحقيقته ؟ ولأي شيء تدعونا إليه ؟ عبَّر عنه سبحانه بـ ( ما ) من غاية إنكاره واستحقاره . { قَالَ } موسى في جوابه منبهاً له على ظهوره سبحانه في الآفاق : هو { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : موجدهما ومظهرهما من كتم العدم { وَمَا } حدث { بَيْنَهُمَآ } من الكوائن والفواسد { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } [ الشعراء : 24 ] أي : من ذوي الإيقان والعرفان بحقائق المحدثات المبدعة من كتم العدم بلا سبق مادة وزمان ، بل بامتداد أضلال الأسماء والصفات الإلهية على مرايا الإعدام بمقتضى التجليات الحبية المنتشئة من الذات الأحدية وإلاَّ فلا يمكن تعريفه بإيراد الأجناس والفصول ؛ إذ هو سبحانه منزه عن الاشتراك والامتياز ؛ إذ هو الواحد من كل الوجوه ، المستقل بوجوب الوجود والتحقق مع امتناع غيره مطلقاً ، لا يمكن أن يقومه جنس ، ويميزه فصل حتى يركب له حدٌّ أو رسم . وبعدما سمع من موسى ما سمع { قَالَ } فرعون { لِمَنْ حَوْلَهُ } من ملئه وأشرافه متهمكاً بجوابه : { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } [ الشعراء : 25 ] جوابه أيها العقلاء ، سألته عن حقيقته وذاته فأجاب بعد أفعاله وآثاره المترتبة على أوصافه وأسمائه التي هي من عوارض ذاته . وبعدما سمع موسى تشنيعهم واستبعادهم ، أراد أن يزيد أيضاً على تنبيههم فأجاب بظهوره سبحانه في الأنفس رجاء أن يتنبهوا ، حيث قال : { قَالَ } هو سبحانه { رَبُّكُمْ } مظهركم ، ومربيكم بأنواع التربية والكرامة { وَ } أيضاً { رَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الشعراء : 26 ] الأقدمين . وبعدما سمع فرعون كلامه ثانياً { قَالَ } جازماً عازماً : { إِنَّ رَسُولَكُمُ } سماه رسولاً تهكماً واستهزاءً { ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ } لإرشادكم وإصلاحكم { لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] لا يتكلم بالمقابلة ، بل يتفوه كيفما اتفق بلا تأمل وتدرب ، سألته عن شيء وأجاب بأشياء لا أسأله . وبعدما لم تنبهوا بالتنبيهات المذكورة ، بل ازدادوا إنكاراً فوق إنكار إلى حيث نسبوه إلى الخبط الجنون { قَالَ } موسى كلاماً جملياً كلياً ، مشتملاً على جميع الأمور المنبهة : هو سبحانه { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } أي : مشرق الشمس ومديرها كل يوم بمدار مخصوص ، ومغيبها كذلك تتميماً وتدبيراً لمصالح عباده وجميع حوائجهم المتعلقة لمعاشهم على الوجه الأحكم الأبلغ ، الأعدل بلا فوت شيء منها { إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [ الشعراء : 28 ] وتطرحون عقولكم إلى التأمل والنظر في عجائب مصنوعاته وغرائب مخترعاته ، وكيفية تدبيراته في إبدائه وإنشائه ، وإبقائه ، وإفنائه ، وفي جميع الأمور المتعلقة بألوهيته وربوبيته . إن اجهدتم حق السعي والجهد في شأنه لاهتديتم إلى وحدة ذاته ، ووجوب وجوده واستقلاله في التصرف في مظاهره ومصنوعاته ، فحينئذٍ لم يبقَ لكم شائبة شكٍ فيه سبحانه حتى تحتاجوا إلى السؤال والكشف عن جنابه .