Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 75-91)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } لهم إبراهيم على سبيل النصيحة والتذكير : { أَفَرَأَيْتُمْ } وعلمتهم أن { مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } [ الشعراء : 75 ] من دون الله ؟ ! . { أَنتُمْ } في مدة أعماركم { وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } [ الشعراء : 76 ] فيما مضى عليهم من الزمان لا يليق بالألوهية ، ولا يستحق للإطاعة والانقياد ؛ إذ الإله المستحق بالعبودية لا بدَّ وأن يتصف بالصفات الكاملة ، وأن يكون له نفع وضر ، وثواب وعقاب ؛ حتى يُعبد له ، وهؤلاء معطلون عن أوصاف الألوهية مطلقاً . { فَإِنَّهُمْ } أي : الآلهة الباطلة { عَدُوٌّ لِيۤ } نسب عداوتهم لنفسه أولاً إمحاضاً للنصح ؛ إذ التجه إليهم والتذلل نحوهم يجلب عذاب الله ونكاله ، فهم وعبادتهم من أسباب غضب الله وقهره ، فلكم ألاَّ تتوجهوا نحوهم ، ولا تعبدوا غير الله سبحانه إلهاً ، كما أني ما أتوجه وأعبد { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 77 ] إذ هو المستحق للعبودية والألوهية ذاتاً ووصفاً . وكيف ولا هو { ٱلَّذِي خَلَقَنِي } أي : أوجدني وأظهرني من كتم العدم { فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] إلى توحيده واستقلاقه في الوجود والتصرف ؟ ! . { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي } إن افتقرت إلى الغذاء { وَيَسْقِينِ } [ الشعراء : 79 ] حين احتياجي إلى الماء . { وَ } كذا { إِذَا مَرِضْتُ } من اختلاف الأمزجة وتداخل الأغذية { فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] باعتدالها واستقامتها . { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي } حين حلول أجلي ، وانقضاء مدة حياتي في النشأة الأولى { ثُمَّ يُحْيِينِ } [ الشعراء : 81 ] في النشأة الأخرى ؛ للعرض والجزاء . { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ } وأرجوا من سة رحمته وجوده { أَن يَغْفِرَ لِي } ويمحو عني جميع { خَطِيئَتِي } التي صدرت عني في دار الاختبار ، ويعفو زلتي فيها { يَوْمَ ٱلدِّينِ } [ الشعراء : 82 ] والجزاء . { رَبِّ } يا من رباني بلطفك ، وهداني إلى توحيدك { هَبْ لِي حُكْماً } يقيناً عليماً وعينياً ؛ حتى أستحق أن تفيض عليَّ اليقين الحقي الذي صرت به مستحقاً لمرتبة الخلة والخلافة { وَأَلْحِقْنِي } بعدما وهبت لي من حِكمك وأحكامك ومعارفك ما قدرت لي { بِٱلصَّالِحِينَ } [ الشعراء : 83 ] المرضيين عندك ، المقبولين في حضرتك . { وَٱجْعَل لِّي } بفضلك وجودك { لِسَانَ صِدْقٍ } أي : لساناً يتكلم بالصدق في حِكمك وأحكامك ، ومعارفك وحقائقك ، وجميع أوامرك ونواهيك ، بحيث يدوم أثر صدقي في أقوالي وأفعالي وأحوالي ، وفي جميع أطواري وأخلاقي { فِي ٱلآخِرِينَ } [ الشعراء : 84 ] أي : اللاحقين من عبادك ؛ لذلك ما من دين من الأديان إلاَّ وله - صلوات الرحمن عليه وسلامه - فيه أقوال وأفعال وأخلاق منسوبة إليه ، مسلمة منه ، معمولة بمتابعته . { وَ } بالجملة : { ٱجْعَلْنِي } بسعة رحمتك ، ووفور إحسانك وعطيتك { مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } [ الشعراء : 85 ] أي : من الذين يرثون من فضلك وجودك مرتبة الرضا والتسليم ؛ إذ لا نعمة أجلَّ منها ، وأتم عند المنقطعين نحوك والمتشوقين بلقياك . { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ } واعفُ عن زلته وذنوبه إن سبقت عنايتك له في سابق قضائك وحضرة علمك { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الشعراء : 86 ] التائهين في تيه الغفلة والغرور . { وَ } بالجملة : { لاَ تُخْزِنِي } ولا تُخجلين من فعل نفسي وأبي يا رب { يَوْمَ يُبْعَثُونَ } [ الشعراء : 87 ] أي : الأموات ، ويحشرون من قبورهم نحو العرصات ؛ لعرض الأحوال وجزاء الأعمال ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر . وأي يومٍ { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ } فيه { مَالٌ } حتى يفديه صاحبه ويخلص من العذاب ، أو يخفف العذاب لأجله { وَلاَ بَنُونَ } [ الشعراء : 88 ] يظاهرون لآبائهم وينقذوهم من عذاب الله ؟ ! . وذلك يوم لا مخلّص فيه لأحدٍ من عذاب الله من ذوي المعاصي والآثام { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ } المطلع لسرائر العباد وضمائرهم { بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 89 ] خالٍ عن الميل إلى الهوى ومزخرفات الدنيا ، خالصٍ عن رعونات العُجب والرياء ، مخلص في التوجه نحو المولى بلا طلب الثواب منه والجزاء ؟ بل لمحض الرضاء والامتثال بما أمره ونهى راضياً في كل الأحوال بما جرى عليه من نفوذ القضاء . { وَ } في تلك الحالة التي أتوا كذلك { أُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ } أي : قَرُبت { لِلْمُتَّقِينَ } [ الشعراء : 90 ] الذين يتقون ويحذرون عن محارم الله ؛ استحياءَ منه وطلباً لمرضاته ، بحيث يرونها ويسرعون إلكيها تشوقاً وتحنناً ، ويتفطنون أنهم يدخلون فيها خالدين مؤبدين . { وَ } كذا { بُرِّزَتِ } وأُظهرت { ٱلْجَحِيمُ } المسعر { لِلْغَاوِينَ } [ الشعراء : 91 ] الذين يضلون عن طريق الحق في النشأة الأولى بالميل إلى ال هوى وإلى مستلذات الدنيا والإعراض عن إرشاد الأنبياء الأولياء ، والمصاحبة مع أهل الولاء والآراء والأهواء الباطلة المضلة عن صراط الله الأعدل الأقوم ، واتخاذ الآلهة الباطلة على مقتضى أهويتهم الفاسدة .