Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 67-75)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من شدة إنكارهم وتكذيبهم { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالله وبجميع ما وعد سبحانه في يوم العرض والجزاء ، على سبيل الاستبعاد والاستنكار مستفهمين مستهزئين : { أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ } أيضاً كذلك { أَإِنَّا } وهم { لَمُخْرَجُونَ } [ النمل : 76 ] من قبورنا أحياة على الوجه الذي كنا عليه في مدة حياتنا قبل طريان الموت علينا ، كلا وحاشا ؛ إذ هو من جملة الأمور المستحيلة التي تأبى العقول عن قبولها . ولا منشأ له سوى أنَّا { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا } أي : البعث والحشر { نَحْنُ } اليوم على هذا المدعي للرسالة والنبوة { وَ } وعد { آبَآؤُنَا } أيضاً { مِن قَبْلُ } على ألسنة المدعين الآخرين الذين مضوا ، وكان أسلافهم أيضاً كذلك على ألسنة أسلاف آخرين مدعين وهكذا ، وبالجملة : { إِنْ هَـٰذَآ } أي : ما هذا الوعد بالبعث والجزاء { إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ النمل : 68 ] أي : أكاذيبهم الموروثة لأخلافهم اللاحقين المتأخرين عنهم ، وبالجملة : ها ديدنة قديمة ، وعادة مستمرة بقيت بين الأنام من قديم الأيام ؛ لتخويف العوام بلا وقوع ولا إمكان وقوع أيضاً . ثمَّ لمَّا بالغ أولئك الهالكون في تيه الضلال في تكذيب يوم الجزاء ، وأصروا على ما هم عليه من الكفر والإنكار من متابعة الأهواء والآراء { قُلْ } يا أكمل الرسل كلاماً خالياً عن وصمة المجادلة والمراء ، وما درأ عن محض العبرة والحكمة والاستبصار آمراً لهم على سبيل الاعتبار : { سِيرُواْ } أيها المنكرون المكابرون ليوم العرض والجزاء { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل العبرة ونزول الاستبصار { فَٱنظُرُواْ } معتبرين متأملين { كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ النمل : 69 ] المكذبين كمال قدرة الله القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء بلا فتور ولا قصور . ولا ينتهي قدرته دون مراد ومقدور ، بل له إعادته كما له إبراؤه من جمع أجزائه ولوازمه وعوارضه من الزمان والمكان ، والحركات والسكنات ، وجميع الأطوار والأحوال الطارئة عليها من مبدأ حدوثها إلى منتهى حياتها ؛ إذ جميع ما جرى عليه وصدر عنه حاضر عنده سبحانه ، غير مغيب عنه بلا انقضاء في حضرة علمه ، وإمضاء من لوح قضائه ؛ إذ عنده سبحانه لا زمان ولا مكان ؛ حتى يتصور الانقراض والانقضاء ، واستبعاد هذه المسألة إنما يجيء من العقول السخيفة ، والأحلام الضعيفة المحبوسة ؛ لمضيق الزمان والمكان المتحصنة بحصون الجهات والأبعاد المقيدة بسلاسل الأيام وأغلال الليالي . ومن انكشف له بصر بصيرته ، وارتفع عنه سبل السدل وحول التحويل ، ومدد التغير والتبديل ، واكتحل عن عبرته بكحل الكشف والشهود ، اضمحل دونه الزمان والاستمرار ولم يبقَ في عين عبرته وشهوده سوى الله الواحد القهار لجميع الأغيار ، فسمع عنه وأبصر به وأظهر عليه ، وفني فيه وبقي لديه ورجع إليه ، وبدأ منه وعاد عليه قائلاً لسان حاله ومقاله : { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [ البقرة : 156 ] ، { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ } [ آل عمران : 53 ] برحمتك وجودك يا أرحم الراحمين . { وَ } بعدما هدد سبحانه مكذبي وعده ووعيده بما هدد ، وأقرعهم بما قرع أراد سبحانه أن يسلي حبيبه صلى الله عليه وسلم بما لحق له من أذى المنكرين المكذبين بقوله : { لاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إن كذبوك وأعرضوا عنك يا أكمل الرسل { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ } وسآمة { مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [ النمل : 70 ] أي : من مكرهم وحيلهم ، فإن الله يكفيك مؤنة شرورهم ، وكن في نفسك يا أكمل الرسل واسع الصدر ، طلق الوجه ، مسرور القلب ، فإن الله ناصرك ومعينك في كل الأحوال ، يحفظك عن شرورهم ومكرهم وسيغلبك عليهم ، ويظهر دينك على الأديان كلها في أقطار الأرض وأنحائها ، { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } [ النساء : 6 ] . { وَ } من شدة شكيمتهم ، وكمال إنكارهم وضغينتهم { يَقُولُونَ } متهكمين : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } والعذاب الموعود ؟ وفي أي آنٍ يظهر ؟ وأي زمان يقوم ؟ عينوا لنا وقته أيها المدعون { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ النمل : 71 ] في دعواكم وقوعه ونزوله . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما اقترحوا عليك وألحوا : { عَسَىٰ } أي : دنا وقرب { أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } أي : تبعكم ولحقكم ، واللام للتوكيد { بَعْضُ } العذاب { ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } [ النمل : 72 ] نزوله وحلوله فلحقهم ، وهو عذاب يوم بدر . { وَ } سيلحقهم عن قريب كلها أيضاً ، لكن من سنته سبحانه إمهال عباده زماناً ؛ رجاء أن ينتبهوا ، ويتوبوا عما أصروا عليه { إِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَذُو فَضْلٍ } عظيم ورحمة واسعة شاملة { عَلَى } جميع { ٱلنَّاسِ } الناسين سوابق عهودهم مع الله المدبر لأحوالهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } [ النمل : 73 ] نعمة الإمهال ؛ حتى يخلصوا من نقمته وعذابه ؛ لذلك لحقهم ما لحقهم من العذاب . ومن جملة كفرانهم بنعم الحق : إنهم أرادوا أن يخدعوا مع الله ورسوله ، ولا يشكروا لنعمه الإرسال والإرشاد ، بل ينكروا عليها في نفوسهم ، ويظهروا على الناس أنهم مؤمنون مع أنهم ليسوا كذلك ؛ وقصدوا بذلك التلبيس والخداع ، ولا ينفع لهم هذا . { وَإِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { لَيَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { مَا تُكِنُّ } وتخفي { صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } [ النمل : 74 ] ويظهرونه من إيمان وكفر ، وفساد وصلاح ، وعهد ونقض ؛ إذ لا يخفى عليه سبحانه شيء من أحوال عباده ، وما جرى عليهم في ظواهرهم وبواطنهم . { وَ } كيف يخفى عليه شيء من أحوالهم ؛ إذ { مَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي } طي { ٱلسَّمَآءِ } و { وَٱلأَرْضِ } حتى النقير والقطمير ، وما يعقل ويحس به ، ويعبر عنه ويومئ إليه ، ويرمز نحوه إلى ما شاء الله { إِلاَّ } مثبت محفوظ { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 75 ] هو لوح القضاء وحضرة العلم الإلهي الذي فصل فيه جميع ما كان ويكون أزلاً وأبداً ؛ بحيث لا يشذ عن حيطته ما من شأنه أن يعلم ويحس به .