Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 91-93)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ لمَّا أمر سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أوحي إليه من الوعد والوعيد ، والأوامر والنواهي المصلحة لأحوال الأنام في النشأتين ، وبيان مبدئهم ومعاهدهم ، وما يؤول إليه أمرهم بعدما انقرضوا من هذه النشأة التي هي دار الابتلاء والاختبار ، إما إلى دركات النيران وإما إلى درجات الجنان ، ثمَّ بيَّن لهم طريق الوصول إلى مقر التوحيد ، والتمكن في مقام التجريد والتفريد آمراً أيضاً ، بأن قال لهم إمحاضاً للنصح كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة ، خالياً عن وصمة الميل إلى الهوى : { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ } الله الواحد الأحد الصمد عبادة خالصة عن الرياء والرعونات { رَبَّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ } أراد بها مكة . شرفها الله - خصها بالإضافة للتعظيم ، وإلا فهو رب جميع البلاد والأماكن { ٱلَّذِي حَرَّمَهَا } هذه البلدة من الأمور التي أباحها في غيرها من البلاد { وَلَهُ } سبحانه { كُلُّ شَيءٍ } خلقه وملكه ، وتصرف فيه كشف يشاء وأراد بلا منازع ومخاصم { وَ } بالجملة : { أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ النمل : 91 ] المنقادين لأحكامه سبحانه ، الممتثلين لأوامره ونواهيه بلا التفات إلى إيمان أحد وكفره وهدايته وضلاله . { وَ } أُمرت أيضاً { أَنْ أَتْلُوَاْ ٱلْقُرْآنَ } المنزل عليَّ من عند ربي ، وأداوم على تلاوتة بين أظهر الأنام ؛ لأنه إنما أوحي للهدى والإرشاد بالنسبة إلى جميع العباد { فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ } به بعدما سمعه وتأمل معناه ، وامتثل بمقتضاه { فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ } نفع هدايته عائد إليها ، مفيد لها { وَمَن ضَلَّ } أي : أعرض عنه بعدما سمع واستكبر وكذب { فَقُلْ } أي : أمرني ربي أن قُلْ للمكذبين : { إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ } [ النمل : 92 ] أي : أمري منحسر بالإنذار والتخويف كسائر الرسل المنذرين ، فالهداية والضلال إنما هو مفوض إلى الكبير المتعال . { وَ } بعدما أمرنن ربي بهذه المأمورات المذكورة أمرني بتجديد التحميد على تبليغ ما أُحيت به بقوله : { قُلِ } بعدما تلوت عليهم ما تلونا عليك { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } على ما علمني ربي من الحقائق والمعارف ، وشرفني بأنواع المكاشفات والمشاهدات ، ويسر عليَّ تبليغ ما أوحي إليَّ ، وأُمرت بتبليغه إلى قاطبة الأنام ، وإن أعرضوا عن قبول ما بلغت لهم من مصالح دينهم في النشأة الأولى والأخرى . قل لهم على سبيل التهديد : { سَيُرِيكُمْ } سبحانه في النشأة الأخرى وقيام الساعة الموعودة صدق { آيَاتِهِ } الدالة على عظمة ذاته ، المتينة لمواعيده ووعيداته { فَتَعْرِفُونَهَا } حنيئذٍ ، وتسمعونها سمع قبول ورضا ، ولا يجديكم قبولها حينئذٍ نفعاً وفائدة ؛ إذ قد مضى وقت الإرشاد والامتثال بها ، والعمل بمقتضاها { وَ } بعدما بلغت لهم ما بلغت يا أكمل الرسل لا تبالِ بإعراضهم وإنكارهم ؛ إذ { مَا رَبُّكَ } المطلع بالسرائر والخفايا { بِغَافِلٍ } ذاهل { عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ النمل : 93 ] من الرد والقبول بعدما سمعوا منك وفهموا معناه ، يجازيهم على مقتضى إطلاعه وعلمه . رنبا اشرح لنا صدورنا بتأمل آياتك المنزلة من عندك ، ويسِّر لنا أمورنا بأن نمتثل بمقتضاها بفضلك وجودك . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المواظب على تلاوة كتاب الله اللازم للاسترشاد والاستهداء منه أن تلاحظ أولاً منطوقات ألفاظه المفردة ، ثمَّ مفهومات الكلام المركب مها ، ثمَّ التأمل والتدبر في رعاية المطابقة لمقتضيات الأحوال الموردة لأجلها ، ثمَّ لتعمق في الأساليب والأغراض المسوقة لها الكلام ، ثمَّ سرائر الأوامر والنواهي الموردة فيها ، والعبر والأمثال المشتملة عليها الكلام ، ثمَّ الحكم والمصالح الباعثة لإيراد الكلام على وجهها ، ثمَّ التفطن والتنبه من النظم المتلو المقروء على المعارف والحقائق ، والمكاشفات والمشاهدات التي هي العلل الغائية لإنشائه ، والأسرار الباعثة لنظم كلماته وتأليف حروفه . وعليك أيها الفطن الخبير أن تدرك أن " للقرآن ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن " على ما نطق به الحديث الصحيح ، صلوات الله على قائله وسلامه . وإياك إياك أن تقنع منه بألفاظه ومنطوقاته التي تعرفها عوام العرب ، أو تقنع منه بالخواص والمزايا التي تعرفها أرباب اللسن منهم ، بل لك أن تلاحظ على الوجه المذكور إلى أن صار علمك المتعلق به لدنياً ذوقياً خالياً ، بحيث تسمعه من قلبك ، وتفهمه بقلبك بلا وسائل الألفاظ والحروف الجارية على لسانك ؛ إذ الألفاظ والحروف إنما هي من جملة الحجب الغليظة عند أولي الألباب الناظرين في لب القرآن ، فحينئذٍ فزت بحظك منه ، ونلت نصيبك من هدايته وإرشاده . ربِّ هب لي بفظلك من خزائن جودك التي أودعتها في كتابك الكريم ، إنك أنت الوهاب الملهم بالخير والصواب .