Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 87-90)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل تنبيهاً على التائهين في بيداء الغفلة : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } وهو البوق ؛ لحشر الأموات من أجداثهم { فَفَزِعَ } وارتعد من هول تلك الصدى { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من سكانها { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } تمكنه وقرار قلبه مطمئن بلا قلق واضطراب ، وهم الأولياء المتمكنون في مقر الفناء في الله ، المتحققون بمقام البقاء ببقائه ، الواصلون إلى شرف لقائه بلا تلوين ، منسلخين عن جلباب ناسوتهم رأساً ، وصاروا إلى حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . { وَ } بعدما أفاقوا من دهشتهم وهيبتهم العارضة إياهم من هول ما سمعوا { كُلٌّ } ممن يتأتى منهم الإتيان { أَتَوْهُ } على كلتا القراءتين فعلاً أو اسم فاعل ؛ أي : حضروا عنده وحاضروه { دَاخِرِينَ } [ النمل : 87 ] صارغرين ذليلين ، منتظرين إلى ما جرى عليهم من حكم الله ، يُساقون إلى النار بمقتضى عدله ؟ أم إلى الجنة بمقتضى فضله وإحسانه ؟ . { وَتَرَى } أيها الرائي يومئذٍ { ٱلْجِبَالَ } الراسيات التي { تَحْسَبُهَا } وتظنها { جَامِدَةً } ثابتة مستقرة في مكانها بلا حركة وذهاب { وَهِيَ } في نفسها { تَمُرُّ } أي : تتحرك وتذهب { مَرَّ ٱلسَّحَابِ } أي : كمروره وسرعة سيره ؟ إذ الأشياء العظيمة التي لا يحيط الأبصار بجميع جوانبها قلما يحس بحركتها وإن أسرع فيها ، بل يظن أنها ثابتة في مقره ، وهكذا حال الجبال وجميع الأظلال والأطلال قبل قيام الساعة لو تفطنت بمرورها أيها الفطن اللبيب ، وجدتها في كل آن على التقضي والانصرام ؛ إذ الأعراض لا قيام ولا قرار ، بل كل يوم وآن في شأن ، و { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرحمن : 26 - 27 ] . ومرور الجبال على هذا المنوال { صُنْعَ ٱللَّهِ } أي : من صنع الله { ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ } وأحكم { كُلَّ شَيْءٍ } إتقاناً بديعاً ، ودبره تدبيراً أنيقاً عجيباً ، وأودع فيه من الحكم والمصالح ما لم يطلع عليها أحد من عباده ؛ إذ لا يسع لهم الإطلاع على أفعاله سبحانه ، بل { إِنَّهُ } بذاته وبمقتضى أسمائه وصفاته { خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [ النمل : 88 ] أي : بجميع أفعالهم وأحوالهم ، وأقوالهم الظاهر والباطنة ، يجازيهم عليها على مقتضى خبرته ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر . لذلك { مَن جَآءَ } من المكلفين في دار الابتلاء { بِٱلْحَسَنَةِ } أي : الخصلة الواحدة المقبولة عند الله وعند الناس { فَلَهُ } في دار الجزاء { خَيْرٌ مِّنْهَا } إذ يُعطى له بدله سبع مائة من الحسنة ، وقد أبدل الخسيس بالشريف ، سيما بأضعافه والفاني بالباقي { وَهُمْ } أيضاً مع وجود هذه المثوبات { مِّن فَزَعٍ } هائل مهول للناس { يَوْمَئِذٍ } أي : يوم ينفخ في الصور { آمِنُونَ } [ النمل : 89 ] مطمئنون متمكنون ، ولا يضطربون من هولها ولا يفزعون . { وَمَن جَآءَ } في دا ر الاختبار { بِٱلسَّيِّئَةِ } المردودة عند الله ، وعند الناس من الأمور التي حرمها الشرع والعقل والمروءة { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } أي : كُبُّوا على وجوههم في النار صاغرين ، قيل لهم حنيئذٍ زجراً عليهم ، وطرداً لهم : { هَلْ تُجْزَوْنَ } أي : ما تُجزون بهذا الهوان والصغار { إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ النمل : 90 ] من السيئات الجالبة له في النشأة الأولى .