Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 32-37)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ أمر سبحانه ثانياً ؛ تأكيداً لتأنيسه إياه بقوله : { ٱسْلُكْ } وأدخل { يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ } على الفور { بَيْضَآءَ } مضيئة منيرة ، محيرة للعقول والأبصار ؛ من كمال إشراقها وضوئها ، مع أنها { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } أي : مرض من برص وبهق ، فأدخل وأخرج فرأى ما رأى { وَ } بعدما رأى موسى يده في غاية البياض والصفاء استوحش أيضاً منها واسترهب عن عروض المرض إليها ، أمره سبحانه ثالثاً ؛ إزالة لحزنه بقوله : { ٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ } أي : يديك ، وأطوِ كشحك { مِنَ ٱلرَّهْبِ } أي : الخوف والحزن ، وهذا كناية عن الطمأمنينة والوقار ، وعدم إخطار الخوف في البال . { فَذَانِكَ } أي : العصا واليد والبيضاء { بُرْهَانَانِ } أي : شاهدان على نبوتك ورسالتك ، ومعجزتان باهرتان لك لمن يعارض معك وأنكر عليك رسالتك ، منتشئان { مِن } أمر { رَّبِّكَ } تأييداً لك ولأمرك حين أرسلك { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } لتدعوهم إلى توحيد الحق وصراط مستقيم ، وتنذرهم عمَّا هم عليه من الإفراط والتفريط { إِنَّهُمْ } من غاية انهماكهم في الغفلة والغرور { كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ القصص : 32 ] خارجين عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة في شرائع الأنبياء الماضين ، والرسل المنقرضين . ثمَّ لمَّا سمع موسى من ربه ما سمع { قَالَ } معتذاراً مستظهراً : { رَبِّ } يا من رباني بسوابق النعم { إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً } خطأ ، وأنت أعلم به مني { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ القصص : 33 ] ويبادرون إلى قتلى قبل دعوتهم إلى دينك وتوحيدك لو ذهبت إليهم وحيداً فريداً بلا ظهير ومعين . { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } وأوضح بياناً ، وأتم تقريراً وتبياناً { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ } وأشركه في أمري ؛ ليكون { رِدْءاً } أي : معاوناً في أمري { يُصَدِّقُنِي } لدى الحاجة { إِنِّيۤ } من كمال عداوتهم معي ، وشدة شكيمتهم وغضبهم عليَّ { أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } [ القصص : 34 ] دفعة ، ولا ينطلق لساني بمجادلتهم ؛ بسبب لكنتي فأفوت بلكنتي حكمة رسالتي ، وأحكام دعوتي ونبوتي . { قَالَ } له سبحانه على وجه التأييد والتعضيد : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ } ونقويك { بِأَخِيكَ } مع ذلك لا تيأس من توفيقنا إياك ؛ إذ بعدما أرسلناكما إلى فرعون وملئه { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً } حجة قاطعة بها تغلبان عليهم { فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } بقهر واستيلاء { بِآيَاتِنَآ } أي : بسبب آياتنا التي معكما ، ولا تخافا عن غلبتهم عليكما ؛ بسبب شوكتهم وكثرة عَددهم وعُددهم ، بل { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا } من المؤمنين هم { ٱلْغَالِبُونَ } [ القصص : 35 ] المقصورون على الغلبة ، لا تتعدة الغلبة عنكم ، وهم المغلوبون المنحصرون على المغلوبية ، لا يتجاوزون عنها أصلاً . { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ } مؤيداً { بِآيَاتِنَا } الدالة على صدقها في دعواه ، مع كونها { بَيِّنَاتٍ } ظاهرات واضحات أنها من عندنا بلا تردد وريب { قَالُواْ } من كمال قسوتهم وانهماكهم في الضلال : { مَا هَـٰذَآ } الذي أتى به على صورة المعجزة والبرهان { إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } اختلقه من تلقاء نفسه ، ونسبه إلى الله افتراءً وترويجاً لباطله من صورة الحق { وَ } من شدة حرصه على ترويج ما زخرفه من عند نفسه سمَّاه ديناً وهدايةً ورشداً ، ونسبه إلى الوحي والإنزال من الإله الواحد الموهوم ، مع أنَّا { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي : بوحدة الإلهة المرسل للرسل ، والمنزل للكتب بالوحي والإلهام ، الواضع للأديان والشرائع بين الأنام كائناً ثابتاً { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [ القصص : 36 ] إن هو إلا إفك افتراه ، ولبَّس على الأنام أمره ؛ تغريراً عليهم ، وتضليلاً لهمز { وَ } بعدما أبصروا الآيات القاطعة والبراهين الساطعة ، ونسبوها من غاية غيهم وضلالهم إلى لاسحر والشعوذة ، مع أنها بمراحل عنها { قَالَ مُوسَىٰ } بعدما قنط من إيمانهم وصلاحهم : { رَبِّيۤ } الذي رباني بأنواع الكرامات { أَعْلَمُ } منِّي { بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ } والرشد المنزل { مِنْ عِندِهِ } بمقتضى وحيه وإلهامه ، ومن اهتدى واسترشد به { وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } يعني : العاقبة الحميدة المترتبة على هذه النشأة التي هي دار الابتلاء والاختبار ، وبالجملة : { إِنَّهُ } سبحانه بمقتضى عدله وحكمته { لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } [ القصص : 37 ] الخارجون عن مقتضى الحدود الإلهية ، ولا يفوزون بما فاز المتقون من المثوبة العظمى والدرجة العليا .