Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 51-56)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا } وفصَّلنا { لَهُمُ ٱلْقَوْلَ } بأنَّا أتبعنا الأحكام بالحمم ، والأوامر بالمواعظ ، والتذكيرات والنواهي بالعبر والأمثال ، وأوضحنا الكل بالقصص والوعيدات الهائلة لأهل الغفلة والنسيان ، وتنزيل أنواع العذاب والنكال على أهل الكفر والإنكار { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ القصص : 51 ] ويتعظون منها فيؤمنون ويقبلون ، ومع ذلك لم يتعظوا ولم يتأثروا ، فلم يقبلوا ولم يؤمنوا . ثمَّ قال سبحانه : { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } أي : الفرقة الذين آتيانهم التوراة الدينية { مِن قَبْلِهِ } أي : قبل نزول القرآن { هُم بِهِ } أي : بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن إليه { يُؤْمِنُونَ } [ القصص : 52 ] إذ هم مصدقون بجميع ما في كتابهم . ومن جملة الأمور المثبتة في كتابهم : إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن إليه ، وهم يؤمنون به قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن لمدة متطاولة { وَ } وبعد نزول القرآن { إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ } مسلمين مصدقين : { آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ } المطابق للواقع ، النازل { مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ } أي : من قبل نزوله { مُسْلِمِينَ } [ القصص : 53 ] منقادين لما فيه ، مصديقن له ، مؤمنين بما أنزل إليه ؛ إذ الإيمان به من جملة المعتقدات المثبتة في كتابنا ، فالآن لمَ لمْ نؤمن مع أنَّا وجدناه مطابقاً لما علمناه في كتابنا ، وعلى الوجه الذي تلوناه فيه ؟ ! . { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله { يُؤْتُونَ } ويعطون { أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } أي : ضعفين ؛ أي : مرة على الإيمان السابق بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم بمقتضى ما ثبت في كتابهم ، ومرة على الإيمان اللاحق بعدما عاينوا ما وصف لهم في كتابهم ، وإنما ضوعفوا { بِمَا صَبَرُواْ } وثبتوا على ما نزل عليه من قبل الحق ، ولم يتركوا امتثاله سابقاً ولا حقاً بواسطة دوامهم وثباتهم على الأمر أو في كتابه { وَيَدْرَؤُنَ } أي : يدفعون ويسقطون { بِٱلْحَسَنَةِ } أي : الخصلة الحميدة الموجبة لأنواع الإفضال والإنعام { ٱلسَّيِّئَةَ } الجالبة لأنواع العذاب والخذلان { وَ } هم أيضاً من كمال اتصافهم بالكمال والإحسان { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } وأقدرناهم على كسبه { يُنفِقُونَ } [ القصص : 54 ] من سبيلنا ؛ طلباً لمرضاتنا . { وَ } من كمال تحفظهم ، وصيانتهم نفوسهم عن نواهينا { إِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ } أي : الكلام الخالي عن المصلحة الدينية { أَعْرَضُواْ عَنْهُ } اتقاءً وتحرزاً عن وصمة المداهنة والمراضاة بما لا يرضى منه سبحانه { وَقَالُواْ } من سلامة نفوسهم ، وكمال علمهم للمرتكبين بعدما لم يقدروا على نهيهم : { لَنَآ } جزاء { أَعْمَالُنَا } التي اقترفناها بسعينا واجتهادنا { وَلَكُمْ } جزاء { أَعْمَالُكُمْ } التي أنتم عليها مصرين ، وقالوا لهم حين توديعهم والذب عنهم : { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } أي : سلمكم الله العفو الرحيم عن عوائد ما كنتم عليه ووفقكم على التوبة والإنابة ، وما لنا معكم مطالبة ومجادلة سوى إنَّا { لاَ نَبْتَغِي } ولا نطلب مصاحبة { ٱلْجَاهِلِينَ } [ القصص : 55 ] بسوء عواقب الخصائل الغير المرضية عند الله وعند خالص عباده . " ثمَّ لمَّ أحتضر أبو طالب ، ودنا أن يخرج من الدنيا جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتماً بإيمانه وتوحيده ، فقال له : " قل يا عمِّ مرة : لا إله إلا الله ، أحاج بها لك عند ربي ، وأخرجك بها عن زمرة المشركين " قال : يا ابن أخي ، والله إني علمت إنك لصادق في جميع ما جئت به ، لكن أكره أن يقال : جزع أبو طالب عند الموت " أي : ضعف وجبن . أنزل سبحانه هذه الآية ؛ تأديباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم ، وردعاً عن طلب شيء لا يُعرف حصوله ، فقال : { إِنَّكَ } يا أكمل الرسل من شدة حرصك واهتمامك { لاَ تَهْدِي } وترشد إلى طريق الحق ، وسبيل التوحيد كل { مَنْ أَحْبَبْتَ } وأردت إيمانه { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على استعدادات عباده { يَهْدِي } ويوفق على الإيمان والإطاعة بدين الإسلام { مَن يَشَآءُ } هدايته ، وأثبت سعادته وتوحيده في لوح قضائه { وَهُوَ أَعْلَمُ } بعلمه الحضوري { بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ القصص : 56 ] من عباده بعد أن بلغت لهم ما أمرك الحق بتبليغه ، وما عليك إلا البلاغ ، والهداية والرشاد إنما هو بإرادته سبحانه واختياره .