Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 57-59)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن الأعراب قوم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله وعليه وسلم { وَقَالُوۤاْ } : إنَّا قد علمنا يقيناً أنك على الحق والهداية والرشاد ، لكن { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } ونؤمن بك ونعمل بدينك ، وابتعناك بجميع ما جئت به من عند ربك على الوجه الذي اعتقدناك { نُتَخَطَّفْ } ونُخرج { مِنْ أَرْضِنَآ } التي كنا مستقرين عليها بمخالفتنا العرب ؛ إذ نحن أكلة رأس متفقين ، ومتى خالفناهم في أمر لم يرضوا عليه أخرجونا من بينهم صاغرين مهانين ، فرد الله عليه سبحانه عذرهم هذا بقوله : { أَ } يخالفون أولئك الخائفون { وَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ } من ما مضى ، ولم نجعل مكانهم الذي يستقرون فيه { حَرَماً } ذا حرمة عظيمة { آمِناً } ذا أمن من جميع المكروهات ، جالباً لأنواع الخيرات والبركات ؛ إذ { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } ويجمع فيه ، ويحمل نحوه { ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي : نفائسه من كل أمد بعيد ، وفج عميق ؛ ليكون { رِّزْقاً } لهم سابقاً { مِّن لَّدُنَّا } إياهم ؟ ! { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } المجبولين على الجهل والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [ القصص : 57 ] كمال لطفنا معهم ، ووفور نعمتنا ورحمتنا إياهم . { وَ } قل لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنَّا : لا تغرنَّكم الحياة الدنيا ، وإمهالنا إياكم فيها مترفهين متنعمين ؛ إذ { كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } أي : كثيراً أهكلنا أهل قرية قد { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي : كان أهلها بطرين بسعة عيشها ، ووفور معيشتها أمثالكم فدرا عليهم الدول ، فأخذناهم بأنواع النقم بدل نعمهم ، فأهلكناهم واستأصلناهم صاغرين ؟ ! { فَتِلْكَ } الأطلال الخربة ، والآثار الكربة التي تجاه وجوهكم { مَسَاكِنُهُمْ } وأوطانهم التي يتمكنون فيها مترفهين بطرين ، انظر كيف اندرست وتفتت إلى حيث { لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ } في بلادهم وأماكنهم . { إِلاَّ قَلِيلاً } من أهل السفر والعبور ينزلون فيه ، ويرحلون بلا إقامة فيها ووارثةٍ لها ، وهكذا الدنيا وحياتها ، والاستقرار عليها والتمتع بمتاعها عند العارف المتحقق بحقيقتها { وَ } بعدما أهلكناهم ، وخربنا بلادهم { كُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } [ القصص : 58 ] منهم ، حيث لا نمكن فيها خلفاً من أبناء من شؤم آثارهم ومعاصيهم التي كانوا عليها مصرين غير ممتنعين ، وإن أرسلنا عليهم الرسل ، وأنزلنا عليهم الكتب . { وَمَا كَانَ رَبُّكَ } يا أكمل الرسل { مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ } وما ينبغي ويليق بشأن العليم الحكيم أخذهم بغتةً بلا منبه منذر ، بل ما أخذهم على ظلمهم { حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا } أي : البلدة التي هي أم القرى الهالكة ؛ إذ أهلها قبل المرشد والهداية من أصحاب القرى والنواحي ، وهم تابعون لهم في معظم أمورهم { رَسُولاً } مؤيَّداً من عندنا ، مرسلاً إليهم { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } الدالة على عظيم ذاتنا ، وكمال قدرتنا على الإنعام والانتقام ، ويدعوهم إلى توحيدنا والتدين بالدين الموضوع من عندنا ، فتلا عليهم آياتنا فدعاهم إلى توحيدنا وديننا ، فلم يقبلوا قوله ولم يستجيبوا له ، بل كذبوه وجميع ما جاء به من الرشد والهداية مصرين على ما هم عليه من الغواية ، فاستحقوا الهلاك والعذاب فأهلكناهم . { وَ } بالجلمة : { مَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } [ القصص : 59 ] يعني : ما كنا مبادرين على إهلاك القرى الهالكة بلا سبق أسباب صدرت عنهم ، واستوجبت هلاكهم ، بل إنما أخذناهم بعدما ظلموا أنفسهم بالخروج عن مقتضى حدودنا الموضوعة فيها ظلماً وعدواناً ، وصاروا مصرين مباهين بما آتيناهم من زخرفة الدنيا المستعارة الفانية التي ألهاهم عن اللذائذ الأخروية الباقية فيهم .