Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 78-80)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبعدما سمع قارون منهم المواعظ والتذكيرات المتعلقة بإصلاح حاله ، النافعة له في الاولى والأخرى أعرض عنهم وعن مقالهم عتواً واستبكاراً ، حيث { قَالَ } مستعظماً بشأنه ، مستبدأ برأيه : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ } أي : ما أوتيت بما أوتيت من الرزق الصوري إلا { عَلَىٰ عِلْمٍ } حاصلٍ { عِندِيۤ } يعني : منشأ إتيان المال عليَّ وحصولها عندي اتصافي بعلم كامل موجب لحصولها تحصيلها ؛ أي : ما هي وجمعها إلا بحولي وقوتي وعلمي بطرق تحصيلها . إنما قال هذا بطراً واستغناءً ، وكبراً وخيلاءً ، وقيلأ : إنه عالم بعلم الكيمياء ، قال سبحانه رداً عليه على سبيل التعيير والتوبيخ : { أَ } بتفوه ويقول هذا الطاغي الباغي الهالك في تيه الغي والضلال أمثال هذه الخرافات { وَلَمْ يَعْلَمْ } بالتواتر ومطالعة كتب التواريخ ، ومن القصص المثبتة في التوراة { أَنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { قَدْ أَهْلَكَ } واستاصل كثيراً { مِن قَبْلِهِ مِنَ } أهل { ٱلْقُرُونِ } الماضية { مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً } بحسب الأولاد والأتباع { وَأَكْثَرُ جَمْعاً } لحطام الدنيا ، أما يستحي هذا الطاغي المسرف يظهر على الله ، ولم يخف من بطشه وانتقامه بغتةً { وَ } من سرعة نفوذ قضاء الله وقت إرادة إنفاذه عند الغضب على أعدائه { لاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ القصص : 78 ] إذ اطلاعه سبحانه بحالهم وضلالهم يكفي في انتقامهم ، فلا يحتاج إلى سؤالهم ؟ ! . وبعدما ذكروا عنده من الزواجر والعبر فلم ينزجر ولم يعتبر ، بل ما زاد إلا بطراً وخيلاءً { فَخَرَجَ } يوماً من الأيام من بيته مباهياً { عَلَىٰ قَوْمِهِ } مستكبراً عليهم ، مستغرقاً { فِي زِينَتِهِ } الكاملة ؛ إذ هو على بغلة شبهاء - هي الأبلق الذي كثر بياضه على سواده - وعليه ثباب فاخرة حمرٌ كلها تسر الناظر إليها ؛ من صفاء لونها وبهائها ، وعلى البغلة سرج من ذهب ومعه أربعة آلاف على زيِّة ، وقيل : تسعون ألفاً على زيِّه ، وعلى خيولهم ومراكبهم أيضاً لبسة حمراء ، فخرج الناس معه صافين حوله ، ناظرين نحوه ، متعجبين من حاله ، متمنين من الله رتبته ، حيث { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } وزينتها ، وهمهم مقصور إليها ، وغاية متمناهم حصول مثلها لهم : { يٰلَيْتَ لَنَا } من حظوظ الدنيا { مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ القصص : 79 ] ونصيبٍ كامل من الدنيا . { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } اللدني والمعرفة الكاملة وبالنشأة الأخرى ؛ رداً عليهم وإزالةً لحسرتهم ، وردعاً لهم عن متمناهم على أبلغ وجه وآدكده : { وَيْلَكُمْ } أي : يلزمكم ويلكم ، ويحل عليكم هلاككم أيها القاصرون عن معرفة الحق ، وما يترتب عليها من المكاشفات والمشاهدات التي ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، بل { ثَوَابُ ٱللَّهِ } المحسن المفضل ، ورضاه من عبده { خَيْرٌ } من الدنيا وما فيها من أضعافها وآلافها { لِّمَنْ آمَنَ } له احتساباً على نفسه { وَعَمِلَ صَالِحاً } أي : قرنَ إيمانه بالعمل الصالح إحساناً منه بالنسبة إليه سبحانه ، وطلباً لمرضاته { وَ } بالجملة : { لاَ يُلَقَّاهَآ } أي : لا يصل إلى هذه المثوبة العظمى ، والدرجة العليا التي أعدها الله لعباده { إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } [ القصص : 80 ] على ما جرى عليهم من البليات ، وعلى مشاق الطاعات ومتاعب العبادات ، والرضا بما أعطاهم الحق ورزقهم من الحظوظ بلا تمنٍ منهم ، ولا تحسرٍ إلى مرتبة أحد من أصحاب الجاه والثروة ، بل هم بما عندهم راضون ، وبما أعطاهم الحق على مقتضى قسمته الأزلية متمكنون مطمئنون ، ألا أنهم هم المؤمنون حقاً وأولئك الفائزون المفلحون ؟ ! . ربنا اجعلنا من زمرتهم بمنِّك العظيم وجودك الكريم .