Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 81-84)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما أمهلناه زماناً ، ورفهناه نشطاً فرحاناً ، أخذناه غضباناً { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } قلقاً حيراناً ؛ يعني : طبقنا الأرض عليه وعلى أمواله وخزائنه بعدما أخذتها وابتلعتها امتثالاً لأمر موسى الكليم - صلوات الله عليه وسلامه - وذلك أنه كان يؤذي موسى دائماً حسداً عليه ، وكان موسى يداريه صيانةً لقرابته . ثمَّ لمَّا نزلت الزكاة صالح معه من كل ألفٍ بواحدة من أي جنس كان فحاسبه ، فبلغ مبلغاً عظيماً فاستكثره فمنعه ، فعمد إلى أن يفضح موسى بين بين إسرائيل بغياً عليه وعدواناً فبرطل بغيِّة ، وأعطى لها رشوة ؛ لترمي موسى بنفسها . فلمَّا كان يوم عبدٍ قام موسى خطيباً ، فقال في خطبته : من سرق قطعناه ، ومن زنى غير محصن جلدناه ، ومن زنى محصناً رجمناه ، فقال قارون : ولو أنت يا موسى ، قال : ولو كنت أنا ؟ ! قال : إن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت مع فلانة ، قال موسى : فأحضروها فأُحصرت ، فناشدها موسى بالله الذي فلق البحر ، وأنزل التوراة أن تصدق ، فقالت بإلقاء الله في قلبها كرامةً لموسى ، وتنزيهاً له عمَّا لا يليق بشأنه ، وتفيضحاً لقارون : جعل لي قارون جعلاً كذا ؛ على أمن أرميك بنفسي ، فخر موسى ساجداً ، فقال في سجدته : إليه إن كنت نبيك ورسولك فانصرني واخذل عدوي ، فأوحى الله في سجدته : أن مُر الأرض أي شيء شئت ، فتجيبك يا موسى . فرفع رأسه من سجدته مرتعداً غيوراً غضباناً ، فقال يا أرض خذيه فابتلعته على الفور إلى ركبته ، فأخذ يتضرع : يا موسى ارحمني ! فأنا قرابتك ، ثمَّ قال موسى مغاضباً على الأرض : خذيه ! فأذخته إلى وسطه ، فازداد في تضرعه وتفزعه ، ثمَّ قال : خذيه ! فأخذته إلى عنقه ، فتضرع وصرخ نحو موسى من أول أخذه إلى خسفه سبعين مرة لم يرحم عليه ، ثمَّ قال : خذيه ! فخسفت به وطبقت عليه ، فلم يرحمه حتى عاتبه سبحانه : ما أفظّك يا موسى ! حتى استرحمك سبعين مرة فلم ترعه ، فوعزتي وجلالي : لو دعاني مرة لأجبته . وبعدما خُسف قارون قال بنو إسرائيل : إنما قلته ليرث أمواله ، فأشعر بهم موسى فأمر الأرض بخسف داره وأمواله وخزائنه إلى حيث لم يبق من منسوباته شيء على وجه الأرض { فَمَا كَانَ لَهُ } حينئذٍ { مِن فِئَةٍ } أعوانٍ وأنصارٍ { يَنصُرُونَهُ } ويدفعون عذاب الله عنه { مِن دُونِ ٱللَّهِ } القادر المقتدر على دفع أمثاله ، وهو بريء من الله { وَ } هو غير ملتجئ إليه ومتضرع نحوه ؛ ولذلك { مَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } [ القصص : 81 ] الممتنعين من العذاب لا بنفسه ولا بمعاونيه وأنصاره . وبعدما خُسف قارون بشؤم أمواله التي جعلها وسيلة إلى أنواع الفسادات ، من جملتها : رمي كليم الله وخُلَّص رسله بالزنا التي هي بمراحل عن طهارة ذيله ونجابة طينته ؛ إذ الأنبياء كلهم معصومون عن الكبائر مطلقاً . { وَأَصْبَحَ } الفقراء { ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ } ومنزلته { بِٱلأَمْسِ } أي : الزمان الذي هو أقرب زمن بخسفه ، متحسرين بما عنده من الثروة والجاه ، أخذوا { يَقُولُونَ } متمنين على عكس متمناهم السابق ، متعجبين من كمال علم الله ومتانة حكمته ، قائلين كل منهم لصاحبه : { وَيْكَأَنَّ } المعنى على الانفصال بين " ويك " و " أن " والاتصال بينهما إنما هو بمتابعة المصحف ؛ يعني : ويل لك ، وهلاكك لازم بمتمناك الذي تمنيته بالأمس ، اعلم أن { ٱللَّهَ } الحكيم المتقن في أفعاله { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ } بمقتضى حكمته { لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } على مقتضى استعداداتهم { وَيَقْدِرُ } أي : يقبض عن من يشاء أيضاً على وفق استعداده ، وما لنا اطلاع على متانة علمه وحكمته { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ } المصلح لمفسادنا { عَلَيْنَا } بمنعنا عن متمناها { لَخَسَفَ بِنَا } أيضاً من شؤم مبتغانا ، مثل ما خسف قارون ، وإنما منَّ علينا ما منَّ ؛ لإيماننا به سبحانه ، وإخلاصنا فيه { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } [ القصص : 82 ] ولا يفوزون بالنجاة عن عذابه سبحانه ، بل يوفقهم سبحانه على ما يوقعهم في عذابه افتناناً منه وانتقاماً . ثمَّ قال سبحانه تبشيراً للمؤمنين المتواضعين ، وتنشيطاً للمتقين الموقنين : { تِلْكَ } الجنة التي سمعت وصفها ، وبلغك خيرها في كتب الله وألسنة رسله وأنبيائه وأوليائه المكشفين بها ، الفائزين بمقاماتها { ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } أي : الموصوفة بهذه الصفة ؛ إذ لا مقر لأهل الله سواها ؛ لذلك سميت بها { نَجْعَلُهَا } بمقتضى فضلنا وجودنا مقراً { لِلَّذِينَ } أي : للمؤمنين الموحدين الذين { لاَ يُرِيدُونَ } من كمال حلمهم وعلمهم { عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ } أي : تفوقاً وتكبراً على من عليها ، ولا يمشون عليها خيلاء غافلين عن تزود الآخرة { وَلاَ } يقصدون فيها { فَسَاداً } مؤدياً إلى هتك محارم الله والخروج عن مقتضى حدوده . { وَ } بالجملة : { ٱلْعَاقِبَةُ } الحميدة التي عبر بها عن الجنة ودار الآخرة ، ودار السلام والخلد وغير ذلك من العبارات معدة مهيأة { لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] الذين يحفظون نفوسهم عن ارتكاب المنهيات والمحظورات مطلقاً ، ويجتنبون عن جميع ما يؤدي إلى إسقاط المروءة رأساً ، ويتصفون بجميع ما جاء به الرسل ونطق به الكتب من الأمور المشعرة للهداية والصلاح ، والفوز بالنجاح والفلاح ؛ فأولئك السعداء المقبولون هم الواصلون إلى درجة القرب والشهود ، والوالهون بشرف مطالعة لقاء الخلاق الودود . ثمَّ أشار سبحانه بشارة جميلة محتوية على أصول جميع المواعظ والتذكيرات المتعلقة لعموم مصالح عباده ، فقال : { مَن جَآءَ } في النشأة الأولى { بِٱلْحَسَنَةِ } والخصلة المقبولة عند الله وعند عموم عباده ابتغاءً لمرضاته سبحانه ، وأداءً لحقوق عباده { فَلَهُ } عند الله في النشأة الأخرى جزاءً عليها { خَيْرٌ مِّنْهَا } وبأضعافها تفضلاً وإحساناً { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } والخصلة الذميمة أيضاً فيها ، المستقبحة عقلاً وشرعاً { فَلاَ يُجْزَى } من قبل الحق في يوم الجزاء المسيئون { ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } التي لا يرضى بها الله ولا خُلَّص عباده { إِلاَّ } مثل { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ القصص : 84 ] عدلاً منه سبحانه .