Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-13)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على التزلزل والتذبذب { مَن يِقُولُ } خوفاً من عذاب الله { ءَامَنَّا بِٱللَّهِ } بلا تمكن له واطمئنان في قلبه { فَإِذَآ أُوذِيَ فِي } سبيل { ٱللَّهِ } من أعدائه انقلب على الكفر حيث { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ } وإيذاءهم { كَعَذَابِ ٱللَّهِ } القادر بالقدرة الكاملة على أنواع المحن والابتلاءات ؛ يعني : يسوون بين خوف الله وخوف الناس ، فكما يؤمنون بالله من خوف عذابه يكفرون به من خوف عذاب الناس بلا تفاوت بين الخوفين وبين العذابين ، بل يرجحون خوفهم على خوف الله ، فيختارون الكفر على الإيمان من ضعف يقينهم وعدم رسوخهم وتمكينهم على الإيمان ، وذلك من عدم ترقيهم من حضيض الجهل والتقليد إلى ذورة العرفان والتوحيد { وَ } من غاية تزلزلهم وتلونهم { لَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ } وعون للمؤمنين الباذلين مهجهم في سبيل التوحيد { مِّن رَّبِّكَ } يا أكمل الرسل وصاروا غالبين على أعداء الله بنصر الله إياهم ، وفازوا بالفتح والغنائم وأنواع الكرامات { لَيَقُولُنَّ } أولئك المذبذبون المتزلزلون ، مبالغين في دعى الموافقة والمؤاخاة : { إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } موافقين ظاهراً وباطناً ، وفي دين الإسلام متمكنين مطئنين سراً وجهراً ، فأشركونا في ما نلتم من الغنيمة والخير ، وهم يقصدون بقولهم هذا التغرير والتلبيس على المؤمنين ، بل على الله أيضاً ، لذلك قال سبحانه : { أَ } تعتقدون التلبيس والتشبيه أيها الجاهلون بعلو شأنه { وَ لَيْسَ ٱللَّهُ } المتجلي على جميع ما ظهر وبطن في الأكوان غيباً وشهادةً { بِأَعْلَمَ } بعلمه الحضوري { بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } [ العنكبوت : 10 ] بل بما في استعداداتهم وقابلياتهم التي كانوا عليها حيث لم يكونوا ؟ وإن كان حالهم أيضاً كذلك الآن عند من له أدنى حظ من المعرفة والإتقان . { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } المطلع لضمائر عباده ويميزن { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله وبذلوا جهدهم في سبيله ، وليظهرن إخلاصهم ورسوخهم على الدين ، وتمكنهم واطمئنانهم في مرتبة اليقين بعدما أمرهم بالجهاد والقتال الصوري والمعنوي { وَلَيَعْلَمَنَّ } ويظهرن أيضاً كيد { ٱلْمُنَافِقِينَ } [ العنكبوت : 11 ] ومكرهم وتقاعدهم عن القتال ، واحتيالهم في التخلف عن المؤمنين . { وَ } من جملة مكرهم واحتيالهم مع المؤمنين وخداعهم إياهم { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } قاصدين إضلالهم عن طريق الحق وانصرافهم عن الدين المستبين : { ٱتَّبِعُواْ } أيها الحمقى المتذللون في أيدينا { سَبِيلَنَا } واختاروا طريقنا الذي كنا عليه من عبادة الأوثان والأصنام التي هي دين آبائنا وأسلافنا { وَ } إن خفتم على مقتضى زعمكم من أثقال ذنوبكم يوم العرض والجزاء { لْنَحْمِلْ } أثقال { خَطَايَاكُمْ } عنكم حينئذ فتصيروا مخففين بلا وزر وذنب ، إنما قالوا هكذا ؛ تغريراً عليهم وتضليلاً لهم واستهزاءً وإلا فهم منكرون بالآخرة وجميع ما فيها من الوعيدات الهائلة والإنذارات { وَ } هم وإن فرض أنهم اعتقدوا النشأة الأخرى ما فيها { مَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ } أي : شيئاً قليلاً من خطاياهم ، فكيف بجميعها ؟ ! وبالجملة : { إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ العنكبوت : 12 ] في جميع مواعيدهم وعهودهم ؛ إذ الكل لا يطابق اعتقادهم ولا الواقع ؛ إذ لا تحمل يومئذ وازرة وزر أخرى ، عدلاً من الله تعالى . ولهذا قال سبحانه مقسماً : { وَ } الله { لَيَحْمِلُنَّ } حنيئذٍ { أَثْقَالَهُمْ } اي : خطاياهم التي اقترفوها لنفوسهم يزيدون عليها { وَأَثْقَالاً } أُخر حاصلة من إضلالهم وتضليلهم عباد الله { مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } الأصلية { وَ } الله مع تلك الأثقال على الأثقال { لَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ العنكبوت : 13 ] على الله من إثبات الشريك له في الوجود واستحقاق العبادة ، وعن نسبتهم إليهم ما لا يليق بشأنه افتراءً ومراءً .