Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 153-154)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
واذكر أيها المؤمنون قبح صنيعكم ، وستحيوا من الله ، وتندموا عما صدر منكم وقت { إِذْ تُصْعِدُونَ } تذهبون إلى الأباعد ؛ خوفاً من العدو ، فارين من الزحف ، متخالفين لرسول الله { وَ } عند ذهابكم وفراركم { لاَ تَلْوُونَ } تلتفتون على أعقابكم ، ولا تنتظرون { عَلَىٰ أحَدٍ } من إخوانكم { وَٱلرَّسُولُ } صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة { يَدْعُوكُمْ } ويناديكم صارخاً : إليَّ عباد الله ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم { فِيۤ أُخْرَٰكُمْ } ساقتكم وعصيانكم ، ولم يلتفت أحد منكم إلى عقبه لإجابة دعائه صلى الله عليه وسلم . ومع ذلك لم تنجوا سالمين { فَأَثَـٰبَكُمْ } أورثكم الله ، المصلح لأحوالكم ؛ تأديباً لكم ، متصلاً { غَمّاًً بِغَمٍّ } آخر ، حيث أحاطت بكم الغموم من القتل والجرح والإرجاف بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما فعل بكم ما فعل { لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من النهب والغنيمة { وَلاَ مَآ أَصَـٰبَكُمْ } من الفرار والهزيمة ، ولتتمكنوا أو تتمرنوا في مقام الرضا والتسليم ، ولا تخالفوا أمر الله ورسوله { وَٱللَّهُ } المدبر لأمروكم { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ آل عمران : 153 ] بمقتضى تسويلات نفوسكم الأمَّارة بالسوء ، فيجازيكم بها ؛ لكي تتنبهوا وتسلموا أموركم إلى الله وتتحققوا بالتوحيد الذاتي . { ثُمَّ } لما تبتم ورجعتم إلى الله ، وندمتم عمَّا فعلتم { أَنزَلَ عَلَيْكُمْ } امتناناً لكم وتفضلاً { مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ } المفرط { أَمَنَةً } طمأنينة ووقاراً ، حيث تورث { نُّعَاساً } رقدة ونوماً { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } وهم المتحقوون بمقام العبودية ، الراضون بما جرى عليهم من القضاء ، لا يشوشهم السراء والضراء { وَطَآئِفَةٌ } من منافقيكم { قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } أي : أوقعتهم نفوسهم وأمانيتهم في الهموم والغموم المبعدة عن مقام التفويض والتسليم إلى حيث { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ } ظناً باطلاً { غَيْرَ } ظن { ٱلْحَقِّ } بل { ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } حيث { يَقُولُونَ } لرسول الله استكشافاً ظاهراً ، أو استنكافاً خفيةً : { هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } أي : أمر الله الذي وعدتنا والنصر والظفر { مِن شَيْءٍ } أم الأمر للعدو دائماً ، واليد له مستمراً ؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل إلزاماً وتبكيتاً : { إِنَّ ٱلأَمْرَ } أي : أمر جميع ما كان وما يكون { كُلَّهُ للَّهِ } اولاً ، وبالذات بلا رؤية الوسائط والوسائل في البين ، وهم من غاية عماهم { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم } من البُغض والنفاق { مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } بل يبدون لإخوانهم ، إذا خلا بعضهم بعضاً حتى { يَقُولُونَ } متهكمين ، مستهزئين : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } مهانين ، مظلومين { قُل } لهم يا أكمل الرسل كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة : لا مرد لقضاء الله ، ولا معقب لحكمه ، بل يجري في ملكه ما ثبت في علمه . واعلموا أنكم { لَّوْ كُنتُمْ } متمكنين { فِي بُيُوتِكُمْ } غير خارجين منها للقتال { لَبَرَزَ } لظهر وخرج البتة { ٱلَّذِينَ كُتِبَ } قدر وفرض في الأزل { عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } في هذه المعركة ، مسرعين { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } ومقاتلهم في الوقت الذي قدر بلا تأخير ولا تقديم { وَ } إنما فعل بكم ما فعل { لِيَبْتَلِيَ } ويختببر ويمتحن { ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ } أهو من الرضا والإخلاص ؟ أم من الشقاق والنفاق ؟ { وَلِيُمَحِّصَ } يطهر ويصفي { مَا فِي قُلُوبِكُمْ } من الإيمان والتوحيد عن الكفر والنفاق { وَٱللَّهُ } المطلع لسرائركم وضمائركم { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ آل عمران : 154 ] أي : الأمور المكنونة فيها .