Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 38-41)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما سمع زكريا منها ما سمع ورأى ما رأى { هُنَالِكَ } أي : في ذلك الوقت والزمان { دَعَا زَكَرِيَّا } المراقب لنفحات الله في جميع حالاته { رَبَّهُ } الذر رباه بتعرض نفحاته لإصلاح حاله متمنياً في دعائه خلفاً يحيي اسمه حيث { قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } بريئة عن جميع الرذائل والنقائض كما وهبتها لامرأة عمران { إِنَّكَ } بإحاطتك على سرائر عبادك { سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [ آل عمران : 38 ] أي : الدعاء الصادر عن ألسنة استعداداتهم بإلقائك على قلوبهم . ولما كان دعاؤه صادراً عن عزيمة صحيحة واردة في وقت قدر الله في علمه ، بادر سبحانه إلى إجابته ، أمر الملائكة بتبشيره { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } بأمر ربهم { وَهُوَ } في تلك الحالة مترصد للإجابة { قَائِمٌ } للخضوع والتذلل { يُصَلِّي } لله ، ويميل إليه مقبلاً عليه { فِي ٱلْمِحْرَابِ } المعد للاستقبال قائلين له ، منادين عليه : يا زكريا { أَنَّ اللَّهَ } السميع لدعائك يجيبك { يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } بابن سمي من عنده بيحيى ، لتضمن دعائك بمن يحيي اسمك ، ثم لما كان الباعث لك على هذا الدعاء مشاهدة الخوارق والإرهاصات الظاهرة من مريم - رضي الله عنها - صار ابنك الموهوب لك { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ } لابنها الحاصل لها بلا مباشرة زوج بل صادرة { مِّنَ ٱللَّهِ } سمي من عنده المسيح { وَ } مع كونه مصدقاً بعيسى عليه السلام بصير { سَيِّداً } فائقاً على أهل زمانه بالزهد والتقوى ، فإنه عليه السلام كان في حايته ما هم بمعصية قط { وَ } مع كون يحيى سيداً ورئيساً في قومه { حَصُوراً } مبالغاً في حبس نفسه عن مشتهياتها مع القدرة عليها { وَ } يصير بسبب اتصافه بالأوصاف المذكورة { نَبِيّاً مِّنَ } الأنبياء { ٱلصَّالِحِينَ } [ آل عمران : 39 ] لتبليغ أحكام الله إلى عباده وأهدائهم إلى جنابه . ولما سمع زكريا من الملائكة ما سمع { قَالَ } متحيراً مستعبداً لكونه على خلاف جري العادة : { رَبِّ } يا من رباني بنعمك إلى كبر سني { أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } في هذا السن { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } غايتها { وَ } الحال إن { ٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } ذات عقر من الأولاد في أصل الخلقة ، ومع ذلك كبيرة لا يرجى منها الولادة { قَالَ } له حبرائيل بوحي الله : لا تستبعده ، فإنه يكون { كَذَلِكَ } أي : مثل ما قلت بلا سبب موافق لجري العادة ؛ إذ { ٱللَّهُ } القادر المختار { يَفْعَلُ } يخلق ويوجد { مَا يَشَآءُ } [ آل عمران : 40 ] من الموجودات إيجاداً إبداعياً بلا سبق سبب ومادة . فلك أن ترتفع غشاوة الأسباب الحاجبة عن البين ، وتنسب ما جرى في ملكه إليه بلا رؤية الوسائط والأسباب ؛ إذ لا حجاب عند أولي الألباب ، بل كل ما صدر عنه لا يتوقف على شيء من سوابقه ، ولا يتوقف عليه شيء من لواحقه عند أولي البصائر ، الناظرين بنور الله في تجددات تجليات الوجود الإلهي . ثم لما تفطن زكريا من هذا الكلام ما تفطن { قَالَ } مستسرعاً مستنشطاً : { رَبِّ } يا من رباني بأنواع اللطف والكرم { ٱجْعَلْ لِّيۤ } بفظلك { آيَةً } علامة أعرف بها الحمل ؛ ليفرح بها قلبي ويخلص عن الانتظار { قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ } أي : لا تطيق التكلم معهم ؛ لعدم مساعدة آلاتك عليه مدة { ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } ولا تعلمهم حوائجك { إِلاَّ رَمْزاً } إشارة بيد ورأس وغير ذلك { وَ } عند حبسك عن الكلام والتنطق { ٱذْكُر رَّبَّكَ } في نفسك ذكراً { كَثِيراً وَسَبِّحْ } نزهه عن جميع النقائض تسبيحاً مقارناً { بِٱلْعَشِيِّ } أي : جميع الليل { وَٱلإِبْكَارِ } [ آل عمران : 41 ] أي : جميع النهار لتستوعب جميع أوقاتك بذكره . من هذا تفطن العارف أن الداعي المستجيب من الله لا بد له أولاً أن يفرغ قلبه عن غير الله ويستوعب أوقاته بذكره ، بل يكل لسانه عن ذكر غيره مطلقاً ، حتى يفوز بمطلوبه ويجيب له بفضله وطوله .