Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 47-50)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فلما سمعت مريم ما سمعت تضرعت إلى ربها واشتكت حيث { قَالَتْ رَبِّ } يا من رباني بالستر والصلاح والعبادة والفلاح { أَنَّىٰ } من أين { يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ } وأنت تعلم يا رب أني { لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ } ومن سنتك إيجاد الولد بعد مباشرة الزوج ؟ { قَالَ } سبحانه إشفاقاً لها وإزالة لشكها : { كَذَلِكَ } أي : مثل حالتك التي تعجبين منها ، وهي ولادتك بلا مساس أحد وجود جميع الأشياء الظاهرة من كتم العدم ظهوراً إبداعياً ؛ إذ { ٱللَّهُ } بقدرته { يَخْلُقُ } يظهر جميع { مَا يَشَآءُ } بلا سباق مدة ومادة بل { إِذَا قَضَىٰ } أراد { أَمْراً } إيجاد أمر وإظهاره من الأمور المكانية الثابتة في حضرة العلم { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ } تنفيذاً لقضائه مجرد كلمة : { كُنْ فَيَكُونُ } [ آل عمران : 47 ] بلا تراخ ولا مهلة ، بلا توقف على شرط وارتفاع مانع ، وحالك التي تتعجبين منها وتستبعدين وقوعها من هذا القبيل . ولا تحزني ولا تخافي من التهمة والفضيحة والتعبير والتشنيع ؛ إذ لابنك خصائص ومعجزات رفعت عنك جميع ما يعيبك ويشينك ؛ إذ لا يشتبه على ذي عقل إن ولد الزنا لا يتصف بأمثال هذه الخصائل والخوارق { وَ } من جملتها أنه { يُعَلِّمُهُ } من لدنه لا تعليم أحد { ٱلْكِتَٰبَ } أي : العلوم المتعلقة بالأمور الظاهرة والتدابير الملكية الشهادية { وَٱلْحِكْمَةَ } أي : العلوم الباطننة المتعلقة بالحقائق الغيبية { وَ } يعلمه أيضاً { ٱلتَّوْرَاةَ } المنزل على موسى صلوات الله عليه { وَ } ينزل عليه خاصة { ٱلإِنْجِيلَ } [ آل عمران : 48 ] من عنده . { وَ } بعد إنزال الإنجيل يرسله { رَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يدعوهم إلى طريق الحق ويهديهم إلى صراط مستقيم ، ويؤيده بالآيات الساطعة والمعجزات الباهرة الظاهرة من يده الدالة على تصديقه إلى حيث يقول : { أَنِّي } بأمر ربي { قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } دالة على نبوتي ورسالة نازلة { مِّن رَّبِّكُمْ } وهي { أَنِيۤ أَخْلُقُ } أصور وأقدر { لَكُمْ } بين أيديكم بإقدار الله أياي { مِّنَ ٱلطِّينِ } الجماد صورة { كَهَيْئَةِ } كصورة { ٱلطَّيْرِ } ومثاله جماداً بلا حس وحركة { فَأَنفُخُ فِيهِ } أي : في ذلك المثال { فَيَكُونُ طَيْراً } حيواناً طياراً مثل سائر الطيور ، ذلك التقدير والنفخ يصير صادراً مني { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } بقدرته وإرادته { وَ } كذا { أُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } المكفوف العينين { وٱلأَبْرَصَ } الذي لا يرجى يرؤهما { وَ } أعظم من جميع ذلك أن { أُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ } القديمة كل ذلك { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وقدرته وإرادته ، فهو إجمالاً لا إطلاع لكم على لميته بعد وقوعها أيضاً { وَ } مما لكم إطلاع عليه بعد قوعه { أُنَبِّئُكُمْ } أخبركم { بِمَا تَأْكُلُونَ } من الطعام والفواكه { وَمَا تَدَّخِرُونَ } منها { فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ } المذكور من المعجزات والخوارق التي ما جاء به أحد { لآيَةً } ظاهرة دالة على نبوتي ورسالتي { لَّكُمْ } لإهدائكم { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 49 ] بالله وإرسال الرسل وإنزال الكتب . { وَ } مع هذه الآيات والمعجزات الظاهرة الباهرة جئتكم { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } المنمزل على موسى - صلوات الرحمن عليه - بل على جميع الكتب المنزلة على الأنبياء الماضين - صلوات الله عليهم أجمعين - وأديانهم وشرائعهم ؛ إذ من جملة أمارات النبوة تصديق الأنبياء الذين مضوا من قبله { وَ } جئتكم أيضاً { لأُحِلَّ لَكُم } في دينكم ، وملتكم المنزلة من عند الله علي { بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } في الأديان الماضية ؛ إذ من سنته سبحانه نسخ بعض الأديان ببعض ، وإن كان الكل نازل من عنده ، ولمية أمر النسخ ما مر في سورة البقرة في قوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] { وَ } الحاصل أني { جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } قاطعة ساطعة { مِّن رَّبِّكُمْ } دالة على توحيده سبحانه ، أفردها من عنده باعتبار أن كل واحد من المذكورات يكفي لثبوت نبوته ، وبعدما ظهر منه الكل { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : فاحذروا الله من غضبه ألاَّ تؤمنوا بعد وضوح الدلائل { وَأَطِيعُونِ } [ آل عمران : 50 ] في جميع ما جئت به من عنده سبحانه .