Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 55-58)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ } إعلاماً لعيسى عليه السلام حين هموا بقتله وعينوا من اغتال عليه وهو غافل عن كيدههم : { يٰعِيسَىٰ إِنِّي } بغلبة لاهوتيتي عليك { مُتَوَفِّيكَ } مصفيك عن ناسوتيتك المانعة عن الوصول إلى مقر العز { وَ } بعد تصفيتك عن كدورة ناسوتيتك { رَافِعُكَ } بعد ارتفاع موانعك { إِلَيَّ } إذ لا مرجع لك غيري { وَ } بعد رفعك { مُطَهِّرُكَ } ومزكيك { مِنَ } حجاب { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ستروا بغيوب أنانتيك الباطلة شمس الذات الظاهرة على جميع الذرات { وَ } إني بعد رفعك إليَّ { جَاعِلُ ٱلَّذِينَ } آمنوا بك و { ٱتَّبَعُوكَ } في جميع ما جئت به لإصلاح حالهم { فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : أعلى رتبة وأشرف منزلة ومكانة { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } بحيث { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 61 ] ولهم عذاب أليم . وبعد ظهور عيسى عيه السلام لم يتفق غلبة اليهود أصلاً ، بل كانوا منكوبين منكوسين دائماً إلى الآن { ثُمَّ } قال سبحانه بلسان التوحيد على وجه التنبيه لعيسى ولمن آمن له ، ولمن أنكر عليه وكفر : { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } جميعاً في النشأة الأخرى أيها المختلفون في أمر الدين والإطاعة والإيمان والكفر في النشأة الأولى { فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } بعد رجوعكم إليَّ { فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ آل عمران : 55 ] لعى مقتضى علمي وإرادتي . ثمَّ فصل سبحانه حكمه بقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ستروا سبيل الحق الظاهر عن مشكاة النبوة والرسالة ؛ عناداً واستكباراً ، وكذبوا الأنبياء ، وأنكروا ما جاءوا من الأحكام والمواعظ والحكم والعبر وأصروا عليها { فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } أطردهم وأبعدهم { فِي ٱلدُّنْيَا } بالمذلة والصغار والإجلاء وضرب الجزية { وَ } في { ٱلآخِرَةِ } بجهنم البعد والخذلان ، وسعير الطرج والحرمان { وَمَا لَهُمْ } بعد ظهور الدين الناسخ للأديان المارضية { مِّن نَّاصِرِينَ } [ آل عمران : 56 ] من الأنبياء الذين يدعون الإيمان بهم ، ويدعونهم بدينهم وكتابهم ، ينصرونهم وينقذونهم من عذاب الله ؛ لتركهم العمل بالناسخ . { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا } بالدين الناسخ والكتاب الناسخ ، واتبعوا النبي الذي جاء به من عند ربه { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة فيه ؛ انقياداً وامتناناً { فَيُوَفِّيهِمْ } أي : في النشأة الأخرى { أُجُورَهُمْ } أي : يوفي عليهم أجور أعمالهم بأضعاف ما عملوا ؛ تفضلاً عليهم بمحبة الله إياهم بسبب امتثال أوامره وإطاعة رسله { وَٱللَّهُ } الهادي للعباد { لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [ آل عمران : 57 ] الخارجين عن حدوده المنزلة على رسله ، المكاشفين تحقيق توحيده ، وما يحصل لهم الظلم والخروج إلا بمتابعة عقولهم السخيفة بظلام الموهم المفضل عن الطريق المستبين . { ذٰلِكَ } المذكور من نبأ عيسى عليه السلام وغيره الذي { نَتْلُوهُ عَلَيْكَ } يا أكمل الرسل مع كونك خالي الذهن عنه ولم تتعلم من معلم بشري ، والحال أنك أمي ، إنما هي { مِنَ الآيَاتِ } المنزلة عليك من عندنا الدالة على نبوتك ورسالتك { وَ } من { ٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ } [ آل عمران : 58 ] الكلام المجيد المحكم المشتمل على الحكم المتقنة والأحكام المبرمة الصادرة عن محض الحكمة ، لا يأتيه الباطل ولا يقربه النسخ والتبديل .