Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 59-63)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ } أي : شأنه وقصته الغريبة الخارقة للعادة ، وهي وجوده بلا أب { عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ } كشأن { ءَادَمَ } في إبداعه سبحانه وإيجاده ، بل قصة آدم أغرب من قصته ؛ إذ لا أب له ولا أم بل { خَلَقَهُ } قدَّه وصوَّره سبحانه { مِن تُرَابٍ } جماد { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن } بشراً حياً { فَيَكُونُ } [ آل عمران : 59 ] بالفور حيواناً ذا حس وحركة إرادية وإدراك وفهم . هذا الكتاب المتلو عليك يا أكمل الرسل هو { ٱلْحَقُّ } المطابق للواقع ، النازل إليك ؛ لتأييدك ونصرك في دعواك الرسالة { مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ } في حقيته { مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 60 ] الشاكين بمقتضى عقولهم السخيفة . { فَمَنْ حَآجَّكَ } جادلك وخاصمك { فِيهِ } أي : في أمر عيسى وشأنه من النصارى { مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } المستنبط من الكتاب المنزل من عندنا ، المبين لشأنه وإيجاده بلا أب { فَقُلْ } لهم حين خاصموك { تَعَالَوْاْ } هلموا أيها المجادلون المدَّعون ابنية عيسى لله ، المفرطون في أمره { نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ } ونجتمع بعد ذلك في مجمع عظيم { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } أي : نتباهل بأن يتضرع ويدعو كلٍّ منَّا ومنكم إلى الله { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] حتى يظهر الصادق من الكاذب ، ويتميز الحق عن الباطل . " روي أنهم لما دعو إلى المباهلة ، قالوا : حتى ننظر ونتأهل ، فلما خلوا مع ذي رأيهم قالوا : ما ترى في هذا الأمر ؟ قال : والله ، لقد عرفتم أنه هو النبي الموعود في كتابكم ، ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم ، والله ، ما باهل قوم نبياً إلا هلكوا ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم ، فوادعوا الرجل وانصرفوا . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضناً الحسين ، آخذاً بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وعلى خلفها وهو يقول : " إذا أنا دعوت فأمِّنوا " ، فقال أسقفهم : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزسل جبلاً من مكانه لازاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، فأذعنوا للرسول صلى الله عليه وسلم ، وبذلوا الجزية ألفي حُلة حمراء وثلاثين درعاً من حديد ، فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو باهلوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم عليم الوادي ناراً ، ولاستأصل الله نجران ، وأهله حتى الطير على الشجر " . قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا : { إِنَّ هَـٰذَا } المذكور من نبأ عيسى ومرميم عليهما السلام { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } المطابق للواقع { وَ } لا تكفروا بابنية عيسى لله وزوجية مريم ، ولا تقولوا بالتثليث والأقانيم ؛ إذ { مَا مِنْ إِلَـٰهٍ } معبود بالحق في الوجود { إِلاَّ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } [ الإخلاص : 3 ] ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً { وَإِنَّ ٱللَّهَ } الحق الحقيق بالحقية ، المتصف بالديمومية ، المتحد بالقيومية { لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر ، القاهر للأغيار مطلقاً { ٱلْحَكِيمُ } [ آل عمران : 62 ] في إظهارها على مقتضى إرادته واختياره . { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن الحق بعدما ظهر دلالته وشواهده أعرض عنهم ولا تجادل معهم { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم لمن أعرض عن سبيله { عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } [ آل عمران : 63 ] الذين يفسدون في الأرض بإفساد عقائد ضعفاء العباد بالإعراض عن طريق الحق ، والإلحاد عن الصراط المستقيم .