Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 26-29)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كيف لا تسمعون وتخرجون منها أحياءً بعدما تعلق قدرته سبحانه بإخراجكم وإعادتكم ؛ إذ { لَهُ } ملكاً وتصرفاً ، إبداعاً وإنشاءً { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من الملائكة المغمورين في آلاء الله ونعمائه ، المستغرقين بمطالعة وجهه الكريم { وَ } من في { ٱلأَرْضِ } من أرباب الولاء التائهين في بيدا الألوهية ، الفانين في فضاء الربوبية ، الهائمين في صحراء الوجود ؛ لذلك { كُلٌّ } ممن أشرق عليه شمس الذات ، ولاح عليه نور الوجود ، ولمع عليه برق التجليات الحبيبة اللطيفة { لَّهُ قَانِتُونَ } [ الروم : 26 ] منقادون مطيعون طوعاً وطبعاً ؟ ! . { وَ } كيف لا ينقادون ويطيعون لحكه أولئك المسخرون لصولجان قضائه ، وقلم تقديره { هُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ } ويظهر { ٱلْخَلْقَ } من كتم العدم في فضاء الوجود بمقتضى اللطف والجود ، ثمَّ يعدمه ويميته بمقتضى قهره وجلاله أيضاً فيها { ثُمَّ يُعِيدُهُ } أيضاً على ما يشئه في النشأة الأخرى إظهاراً لكمال قدرته ومقتضى حكمته ؛ كي يظهر مصلحة الإبداء والإبراز في النشأة الأولى ، وفائدة ما يترتب عليها في النشأة الأخرى يوم العرض والجزاء { وَ } أهل الأهواء والآراء الباطلة ينكرون الإعادة ، مع أنه { هُوَ } أي : الإظهار بعد الإعدام { أَهْوَنُ } وأسهل { عَلَيْهِ } سبحانه بالنسبة إلى عقولهم السخيفة ، وأحلامهم الضعيفة من الإبداء والإبداع لا عن شيء وبلا سبق مادة ، وإن كانت نسبة قدرته وإرادته سبحانه إلى كل ما دخل في حيطة حضرة علمه وخبرته على السواء ؛ إذ { مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ } [ الملك : 3 ] وكرر النظر { هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } [ الملك : 3 ] وفتور في مبدعات الحق ومخترعاته ؟ ! . { وَ } كيف يتفاوت دون قدرته الأشياء ؛ إذ { لَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } واليد الطولى ، والتصرف التام ، والاقتدار العام الشامل لكل ما لاح عليه برق الوجود سواء كان { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : العلويات التي هي عالم الأسماء والصفات باعتبار التنزؤلات من مرتبته الأحدية ، والعماء التي لا يسع فيه إدراك مدرك وخيرة خبير { وَٱلأَرْضِ } أي : السلفيات التي هي هالم الهيولي والطبيعة القابلة لأن تنعكس منها أشعة أنواع العلويات المتفاوتة حسب تفاوت الشئون والتطورات المرتبة على الأسماء والصفات المتخالفة المتكثرة حسب التجليات الحِبِّية الإلهية ؟ ! { وَ } كيف لا يكون له سبحانه المثل الأعلى ؛ إذ { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب في ذاته ، حيث تفردت بوجوب الوجود ، ودوام البقاء المنيع فناء على سرادقات سطوته وسلطنته عن شوب النقص والقصور مطلقاً { ٱلْحَكِيمُ } [ الروم : 27 ] المقتن في أفعاله وآثاره بالاستقلال على مقتضى حيطة حضرة علمه الكامل بجميع وجوه الكمالات اللائقة لكل ذرة من ذرائر الكائنات ؟ ! . لذلك { ضَرَبَ لَكُمْ } سبحانه تبييناً وتنبيهاً { مَّثَلاً } متخذاً منتزعاً { مِّنْ أَنفُسِكُمْ } أيها المشركون المتخذون لله شركاء من مصنوعاته وعبيده ؛ إذ هي أقرب الأشياء إليكم ، وأوضحها عندكم { هَلْ لَّكُمْ } أيها الأحرار المتصرفون بالاستقلال في منسوباتكم متصرف آخر سواكم { مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وحصلت من اكسابكم من العبيد والإماء الذين هم من جملة منسوابتكم ، وهل يصح ويجوز لمملوكيكم أن يكونوا ، وبعدوا { مِّن شُرَكَآءَ } معكم يتصرفون أمثالكم { فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } مثل تصرفكم بلا إذن منكم ؟ ! . وبالجلمة : { فَأَنتُمْ } أيها المالكون وما ملكت أيمانكم { فِيهِ } أي : في التصرف والاحتياج إلى الأموال { سَوَآءٌ } إذ هم أمثالكم ، فلأي شيء تحتاجون إليه أنتم ، وهم أيضاً محتاجون إليه بلا تفاوت ولكن { تَخَافُونَهُمْ } وتحذرون منهم أن تتصرفوا في أموالكم وأكسابكم بلا إذنٍ منكم { كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } يعني : تخافون على تضييع أموالكم ، مثل خوفكم على أنفسكم ، بل أشد من ذلك ، وبالجملة : تخافون منهم أن تساووا معكم في التصرف في أموالكم ؛ فلذلك منعتموهم ، ولم ترضوا بتصرفهم وشركتهم في الحطام الدنيا ، فكيف ترضون لنا شركة عبيدنا ومخلوقاتنا في ألوهيتنا وربوبيتنا ، والتصرف في ملكنا وملكوتنا أيها الغافلون المفرطون في شأننا ، والجاهلون بقدرتنا ومكانتنا ؟ ! . { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ } ونوضح { ٱلآيَاتِ } أي : دلائل توحيدنا ، وبراهين وحدتنا وتفريدنا { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [ الروم : 28 ] ويستعملون عقولهم في تأمل الآيات ، والتدبر فيها على وجه العبرة الاستبصار ، فاعتبروا يا أولي الأبصار . { بَلِ ٱتَّبَعَ } الجاهلون { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أنفسهم بالخروج على مقتضى الآيات الواضحة ، والبراهين اللائحة { أَهْوَآءَهُمْ } الباطلة ، وآراءهم الزائغة الزائلة ، مع أن اتباعهم بها { بِغَيْرِ عِلْمٍ } فائض عليهم من المبدأ الفياض ، بل عن جهل مركوز في جبلتهم مركب مع طبيعتهم في أصل فطرتهم ؛ لمقتضى الشقاوة الأزلية والغباوة الفطرية الجبلية ، وإذا كان الأمر على ذلك { فَمَن يَهْدِي } ويرشد { مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } وأراد ضلاله ، وأثبته في لوح قضائه وحضرة علمه من جملة الضالين وزمرة الجاهلين { وَمَا لَهُمْ } بعدما نفذ القضاء على شقاوتهم وضلالهم { مِّن نَّاصِرِينَ } [ الروم : 29 ] ينصروهم ، ويرشدونهم إلى سبيل الهداية وطريق السعادة والرشاد .