Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 35-39)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمْ أَنزَلْنَا } يعني : بل أنزلنا { عَلَيْهِمْ } حينئذٍ { سُلْطَاناً } ملكاً ذا سلطنة وسطوة { فَهُوَ يَتَكَلَّمُ } معهم ، ويذكرهم { بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } [ الروم : 35 ] أي : بجميع ما صدر عنهم من الشرك والكفران ، وأنواع الفسوق والعصيان بلا فوت شيءٍ منها . ثمَّ قال سبحانه : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً } وأعطيناهم نعمة وسعة في الرزق ، وصحة في الجسم على الترادف والتوالي { فَرِحُواْ بِهَا } وأفرطوا في الفرح والسرور إلى أن بطروا ، وباهوا مفتخرين بما عندهم من الأسباب { وَإِن تُصِبْهُمْ } أحياناً { سَيِّئَةٌ } مثل جدب وعناء ، ومصيبة وبلاء تسوءهم ، مع أنهم إنما أصابهم { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : بشؤم ما اقترفوا من المفاسد والمعاصي الموجبة للبطش والانتقام ، فانتقمنا منهم ؛ لذلك { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] أي : فجاءوا على اليأس والقنوط منا بحيث لا يتوجهون إلينا ؛ لكشفها وتفريجها ، بل لا يعتقدون قدرتنا على كشفها ورفعها . { أَ } ينكرون قدرتنا أولئك المنكرون المفرطون { وَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ } القادر على أنواع اللطف والكرم كيف { يَبْسُطُ } ويفيض { ٱلرِّزْقَ } الصوري والمعنوي { لِمَن يَشَآءُ } بسطه إياه { وَ } كيف { يَقْدِرُ } ويقبض لمن يشاء قبضه عنه على مقتضى حكمته المتقنة ؟ ! { إِنَّ فِي ذَلِكَ } القبض والبسط { لآيَاتٍ } دلائل واضحات ، وشواهد لائحات { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الروم : 37 ] بتوحيد الله وأوصافه الذاتية الكاملة الجارية آثارها على مقتضى الحكمة والعدالة الإلهية ، المعبرة عنها بالصراط القويم والقسطاس المستقيم . وبعدما أشار سبحانه إلى بسط الرزق على من يشاء ، وقبضه عمن يشاء إرادةً واختياراً ، أراد أن يشير إلى مصارفه فقال مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو جدير بأمثال هذه الخطابات الإلهية : { فَآتِ } وأعط يا أكمل الرسل من فواضل ما رزق لك من النعم { ذَا ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إليك من قِبَل أبويك { حَقَّهُ } أي : ما يليق به من الصلة وحفظه ورعايته ، فهم أولى وأحق بالرعاية من غيرهم { وَ } بعد أولئك الأولى بالرعاية : { ٱلْمِسْكِينَ } وهو الذي أسكنه الفقر من هاوية الهوان ، وزاوية الحرمان { وَ } أعط بعده : { ٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } وهم الذين فارقوا عن الأموال والأوطان بأسباب أباحها الشرع لهم { ذَلِكَ } التصرف المذكور { خَيْرٌ } في الدنيا والآخرة { لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ } بأموالهم وصرفها { وَجْهَ ٱللَّهِ } وابتغاء مرضاته ، وخوضاً في طريق شكره ، أداء حق شيء من نعمه وفواضل كرمه { وَ } بالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } الباذلون أموالهم في سبيل الله على الوجه الذي أمرهم الحق به { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الروم : 38 ] المصورون على الفوز والفلاح من عنده سبحانهز ثمَّ أشار سبحانه إلى أحوال الجهلة الذين بذلوا أموالهم ؛ لطلب الجاه والثروة والسمعة ، وازدياد مال صديقه بلا وجه الله وابتغاء رضوانه وطلب الثواب منه ، بل لمجرد الكبر والخيلاء ، فقال : { وَمَآ آتَيْتُمْ } وأعطيتم مما عندكم { مِّن رِّباً } زيادة من أموالكم حاصلة من الربا ، إنما أعطيتم { لِّيَرْبُوَاْ } ويزيد { فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } مكافأة لهم ، أو نية فاسدة أخرى بلا امتثال أمر الله وطلب مرضاته { فَلاَ يَرْبُواْ } ولا يزيد لكم صرفكم هذا { عِندَ ٱللَّهِ } شيئاً من الثواب ، بل لا يقبل عنده سبحانه أصلاً ؛ لإفسادكم في أغراضكم ونياتكم { وَ } أمَّا { مَآ آتَيْتُمْ } وأعطيتم للفقراء { مِّن زَكَاةٍ } قد فرضها سبحانه عليكم امتثالاً لأمره ، وإطاعةً لدينه على الوجه الذي أُمرتم به ، مع أنكم { تُرِيدُونَ } وتقصدون بإخراجها وصرفها { وَجْهَ ٱللَّهِ } ومحض رضاه بلا خلط شيء من أماني أهويتكم ، وتسويلات أمارتكم معها { فَأُوْلَـٰئِكَ } الفاعلون للزكاة على الوجه المذكور المأمور { هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ } [ الروم : 39 ] عند الله ثوابها إلى سبعين ، بل إلى سبعمائة ، بل إلى ما شاء الله عنايةً من الله ، وإفضالاً لهم .