Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 40-43)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكيف لا تطلبون وتقصدون بخيراتكم وصدقاتكم خالص وجه الله ؛ وتشركون معه غيره من التماثيل والأظلال الهالكة ، البالطة العاطلة ؛ إذ { ٱللَّهُ } المتوحد المتفرد في ذاته ، القادر المقتدر ، الحكيم العليم { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } وأظهركم من كتم العجم ، ولم تكونوا شيئاً مذكوراً لا بالقوة ولا بالفعل { ثُمَّ } بعدما أظهركم في بيداء الوجود { رَزَقَكُمْ } وأنعم عليكم من أنواع النعم ؛ ليربيكم بها على مقتضى اللطف والكرم { ثُمَّ } بعدما انقضى الأجل المسمى عنده لبقائكم في النشأة الأولى { يُمِيتُكُمْ } على مقتضى قهره وجلاله تتميماً لقدرته الكاملة الغالبة { ثُمَّ } بعدما انقرضت النشاة الأولى المعدة لأنواع الابتلاءات والاختبارات الإلهية ، المتعقلة لحكمة إظهاركم وإيجادكم في عالم الكون والفساد ؛ لتتزودوا فيها من المعارف والحقائق ، والاتصاف بالأخلاق الإلهية لنشأتكم الأخرى { يُحْيِيكُمْ } فيها ؛ للعرض والجزاء وتنقيد ما اقترفتم من الأعمال والأحوال في النشأة الأولى ؛ لتجازوا بها على مقتضى فيها . وبعدما سمعتم ما سمعتم تأملوا وتدبروا منصفين أيها المشركون بالله المتوحد المتفرد ، والمستقل في التصرفات الواقعة في ملكه غيرةً منه سبحانه وحميَّة ؛ لحمى قدس ذاته من أن يحوم حول سرادقات عزه وجلاله شائبة فتور وقصور ، وبعدما سمعتم هذا من خواص أوصافه سبحانه تأملوا { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ } الذي ادعيتم شركتهم مع الله القادر المقتدر على أمثاله بالاستقلال والاختيار { مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ } الذي سمعتم صدروه منه سبحانه { مِّن شَيْءٍ } حقير قليل ، كلا وحاشا صدور شيء من الأشياء من غيره { سُبْحَانَهُ } أي : في ذاته منزه عن شوب الشركة والمظاهرة مطلقاً { وَتَعَالَىٰ } شأنه { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الروم : 40 ] أولئك المشركون المسرفون علواً كبيراً . ومن كمال جهلهم بالله ، وغفلتهم عن علو قدره وسمو مكانته { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ } وأنواع البليات والمصيبات الواقعة { فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } من الجدب والعناء والوباء والزلزلة ، وأنواع الحرق والغرق والضلالات الواقعة في السفن الجارية ، مع أن أصل الظهور والبروز باعتبار الفطرة الأصلية على العدالة والاستقامة ، وإنما ظهر ما ظهر من الانحرافات والانصرافات المنافية لصرافة الاعتدال الحقيقي الإلهي { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } أي : بشؤم ما اقترفوا من الكفر والكفران ، والفسوق والعصيان ، والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة على الاعتدال والقسط القويم ، والحكمة في صدور هذه الانحرافات والفسادات منهم : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ } أي : ليذيق لهم العليم الحكيم في الدنيا وبال بعض أعمالهم الفاسدة ، ويبقى بعضها إلى الآخرة ليستوفيها ، وإنما نذيقهم نبذاً منها عاجلاً { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الروم : 41 ] إلينا بعدما ذاقوا ما ذاقوا من أنواع المحن والشدائد . وإن أنكر هؤلاء المشركون إذاقتنا العذاب لأمثالهم { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل نيابةً عنا : { سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } المعدة لأنواع الكون والفساد { فَٱنْظُرُواْ } نظر معتبر منصف ، ومتأمل مستبصر ؛ ليظهر عندكم { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلُ } مع أنهم { كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } [ الروم : 42 ] أمثالكم ، مشاركين معكم في الشرك والكفر ، وأنواع الفسوق والعصيان . وبعدما أشار سبحانه إلى وخامة عاقبة أصحاب الآراء الفاسدة ، والأهواء الباطلة من المنحرفين عن جادة الاستقامة ، المنصرفين عن سبيل السلامة ، أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم بالإقامة والاستقامة في منهج العدالة التي هي دين الإسلام الناسخ لجميع الأديان الباطلة ، والآراء الزاهقة الزائلة ، فقال : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } أي : استقم وتوجه يا أكمل الرسل بوجه قلبك الذي يلي الحق { لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ } المنزل من عنده سبحانه على الاستقامة والعدالة تفضلاً عليك وامتناناً { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ } ويجيء { يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ } أي : لا يرد فيه ما نفذ من القضاء المبرم ؛ لأن إتيانه { مِنَ ٱللَّهِ } العليم الحكيم على هذا الوجه ؛ إذ لا استكمال ولا رجوع حينئذٍ ، ولا ينفع الطاعة والعبادة حين حلوله ، بل { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : يتفرق الناس فرقاً ، ويتحزبون أحزاباً على مقتضى ما كانوا عليه في نشأة الابتلاء والاختبار .