Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 58-60)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثمَّ قال سبحانه على سبيل التأكيد والمبالغة مشيراً إلى كمال قسوة أهل الزيغ والضلال : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا } وبيَّنا { لِلنَّاسِ } الناسين طريق الوصول إلى توحيدنا ووحدة ذاتنا { فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } المنزل من عندنا ؛ لتبيين طريق توحيدنا ، وسلوك سبيل الاستقامة والرشاد فيه { مِن كُلِّ مَثَلٍ } ينبئ لهم عنه ، وينبئهم عليه ، ويبين لهم كيفية التنبه والتفطن منه ، ومع ذلك لم ينتبهوا ولم يتفطنوا إلا قليلاً منه { وَ } من غلظ غشاوتهم ، ونهاية غفلتهم وضلالهم { لَئِن جِئْتَهُمْ } يا أكمل الرسل { بِآيَةٍ } من آيات القرآن ملجئةٍ لهم إلى الإيمان ، لو تأملوا معناها وتدبروا فحواها { لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي : أعرضوا عن الحق ، وانصرفوا عن توحيده والإيمان على سبيل الحصر والمبالغة بلا مبالاة بك وبآياتك : { إِنْ أَنتُمْ } أي : ما أنتم في دعواكم هذه أيها المدعون الكاذبون - يعنون : الرسلو والمؤمنين - { إِلاَّ مُبْطِلُونَ } [ الروم : 58 ] متفرون مزروعون ، تفترون على الله ما تختلقون من تلقاء نفوسكم تغريراً وترويجاً . { كَذَلِكَ } أي : مثل طبعهم وختمهم الذي شهدت يا أكمل الرسل من هؤلاء الجهلة { يَطْبَعُ ٱللَّهُ } الحكيم المتقن في أفعالهن ويختمه { عَلَىٰ قُلُوبِ } جميع الكفرة والجهلة { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الروم : 59 ] الحق ، ولا يذعنون به ؛ لتركب جهلهم في جبلتهم ، والجهل المركب لا يزول بالقواطع والشواهد قطعاً { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . وما متى سمعت يا أكمل الرسل من أحوالهم وأوصافهم ما سمعت من عدم قابليتهم واستعدادهم إلى الهداية والرشاد { فَٱصْبِرْ } على إيذائهم ، وثق بالله وبوعده الذي وعدك بأن يُظهر دينك على الأديان كلها { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } وإنجازه لما وعد به { حَقٌّ } بلا خلف وتردد { وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ } أي : لا يحملنَّك ويبعثنَّك يا أكمل الرسل على الخفة والاضطراب ، وقلة التصبر ، وعدم الثقة بالله القوم { ٱلَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ } [ الروم : 60 ] ولا يتصفون باليقين في أمر من الأمور أصلاً ، فيكف بالمعارف والحقائق الإلهية ؛ إذ هم مجبولون على فطرة الضلال ، مترددون في بيداء الوهم والخيال ، لا نجاة لهم منها في حال من الأحوال ؟ ! . هب لنا من لدنك جذبةً تنجينا عن مضيق الجهل والضلال ، ووصلنا إلى سعة العلم وفضاء الوصال ، نحمدك على كل حال ، ونسعيذ بك منك من جميع الأهوال . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المتحقق لمرتبة اليقين العلمي والعيني والحقي - مكنك الجق من مقر لاهوتك ، وجنبك على لوازم ناسوتك مطلقاً - أن تتصبر على أذيات أصحاب التقليدات والتخمينات ، وتتحمل على تشنعيات أرباب الظنون والجهالات المترددون في تيه الجهل الضلال بمتابعة الوهم والخيال ، وتصفي خاطرط وضميرك عن معارضتهم ومقابلتهم ، والبغض معهم والالتفات إليهم مطلقاً ؛ إذ هم قوم خذلهم الله وأحطهم عن مرتبة الإنسان التي هي التحقق بمقام اليقين والعرفان ، والتمكن في مرتبة الخلافة والنيابة من الرحمن المستعان ، والتخلق بأخلاق الحنَّان المنَّان ، وأسكنهم في مضيق الإمكان مقيدين بسلاسل التقليد وأغلال الحسبان ، لا نجاة لهم منها أبداً . وعليك أن تتوجه بوجه قلبك إلى ربك ، وتفوض أمورك كلها إليه وتتخذه وكيلاً ، وتجعله حسيباً وكفيلاً ، فإنه سبحانه يكفيك مؤنة شرور أعدائك وحاسديك ، ولك التبتل والانقطاع إلى الله في كل الحالات ، والرجوع نحوه في جميع المهمات والملمات ؛ إذ ما من خبر يسرك وشر يضرك إلاَّ منه بدأ وبقدرته ظهر ، وعلى مقتضى علمه صدر وبموجب حكمته جرى وقدر . فلك أن تسترجع إليه ، وتتضرع نحوه ، وتستعيذ منه به ؛ إذ الكل من عنده لا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .