Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 54-57)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ قال سبحانه على سبيل الامتنان إظهاراً لكمال قدرته على إبداء الشئون و التطورات الواردة على عباده حسب تعاقب الأزمنة والأوقات في النشأة الأولى ، فكيف ينكرون إعادتها في النشأة الأخرى مع أن الإعادة أهون من الإبداء ، وإن كان الكل في جنب قدرته على السواء : { ٱللَّهُ } القادر المقتدر ، الحكيم المتقن في أفعاله وأحكامه ، العليم بمقتضاها هو { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } وقدر وجودكم بعدما أبدعكم من كتم العدم في عالم الطبيعة والهيولي { مِّن ضَعْفٍ } هو ماء النطفة الضعيفة المهينة { ثُمَّ جَعَلَ } ما صير وخلق { مِن بَعْدِ ضَعْفٍ } كائن في نشأة النطفة { قُوَّةً } جسمانية متزايدة ، مستكملة فيها إلى أن بلغت كمال الشباب { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ } كائنة في عالم الشباب { ضَعْفاً } وانحطاماً { وَشَيْبَةً } مضعفة لجميع القوى والآلات ، منتهية إلى الهم الذي عبر عنه سبحانه بأرذل العمر ؛ كي لا يعلم صحابه من بعد علم شيئاً ، وبالجملة : { يَخْلُقُ } ويظهر سبحانه جميع { مَا يَشَآءُ } ويريد إرادةً واختياراً { وَ } كيف لا { هُوَ ٱلْعَلِيمُ } بجميع ما أحاط عليه إرادته ومشيئته { ٱلْقَدِيرُ } [ الروم : 54 ] لإيجاده وإظهاره في فضاء العيان بلا فتور وقصور . { وَ } كيف ينكر من ينكر الحشر والنشر ، وإعادة الموتى أحياءً بعدما شهد هذه التطورات المتخالفة المتعاقبة ؟ ! اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ } الموعودة المعدة لحشر الأموات من الأجداث { يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : يقسم ويحلف كلٌّ منهم عند صاحبه بمدة لبثهم في الدنيا مترفهين متنعمين ، واتفقوا بعدما اختلفوا وترددوا في مكثهم فيها أنهم { مَا لَبِثُواْ } فيها { غَيْرَ سَاعَةٍ } واحدة بالنسبة إلى طول يوم القيامة ، ومن شدة عذابها وأهوالها ، وكثرة الهموم والأحزان فيها صار لبثهم في الدنيا مدة أعمارهم فيها ساعة واحدة عندهم ، بل بضعهم تخيلوا أقصر منها { كَذَلِكَ } أي : مثل صرفهم عن طول مدة مكثهم في الدنيا يوم القيامة { كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } [ الروم : 55 ] ويصرفون في النشأة الأولى عن طريق التوحيد ، وسبيل الهداية والرشاد من كمال غفلتهم وقسوتهم . { وَ } بعدما سمع منهم المؤمنون الموحدونن استقصارهم مدة لبثهم فيها ، وانصرافهم عن الحق { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } اللدني من قِبَل الحق { وَٱلإِيمَانَ } بالمغيبات التي أُمروا بتصديقها على ألسنة الرسل والكتب ، سيما يوم البعث والنشور رداً عليهم ، وتخطئةً لهم : { لَقَدْ لَبِثْتُمْ } في الدنيا بمقتضى ما ثبت { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } ولوح قضائه ، وحضرة علمه { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } وحشر الموتى ، وقيام الساعة { فَهَـٰذَا } اليوم الذي أنتم فيه معذبون الآن { يَوْمُ ٱلْبَعْثِ } الموعود لكم في الدنيا على ألسنة الرسل { وَلَـٰكِنَّكُمْ } من خبث طينتكم وجهلكم { كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الروم : 56 ] ولا تؤمنون به ، ولا تصدقون قيامه ، بل تنكرونها وتكذبون من أخبر بها من الرسل العظام ، مع أنهم مؤيَّدون من قِبَل الحق بالدلائل القاطعة ، والبراهين الساطعة ، والمعجزات الباهرة الظاهرة . وبعدما فوَّتوا الفرص في دار الاختبار ، وضيعوا عين العبرة والاعتبار فيها { فَيَوْمَئِذٍ اْ } أي : حين قيام الساعة ، وانقضاء أيام التفقد والتدارك { لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُو } أنفسهم بالخروج عن حدود الله والعرض على عذابه { مَعْذِرَتُهُمْ } أي : عذر منهم ليعتذروا عن قصورهم ، ويتوبوا عن فتورهم متداركين لما فوَّتوا { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم : 57 ] أي : لا يُطلب منهم العتبى حتى يزول عتابهم بالتوبة والإنابة والندم والرجوع ؛ إذ قد انقضت نشأة الاتبلاء الاختبار ، حينئذٍ لا يُقبل منهم التوبة والعبادة أصلاً .