Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 1-7)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤـمۤ } [ لقمان : 1 ] أيها الإنسان الكامل اللائق للوامع لطائف أنوار الوجود الإلهي ، ولوائح آثار جوده ، المكرم المؤيَّد من عنده بمزيد اللطف والكرم ، الممتاز المتخصص من بيع جميع مظاهره بالمرتبة الجامعة المستجمعة لجميع المراتب العلية . { تِلْكَ } الآيات المتلوة عليك يا أكمل الرسل امتناناً لك ، واختصاصاً بشأنك { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي : نبذ من آيات الكتاب { ٱلْحَكِيمِ } [ لقمان : 2 ] المشتمل على الحكمة المتقنة ، المنبعثة عن اجتماع القدرة الكاملة والإرادة الخالصة ، المترتبين على العلم الكامل الإلهي الذي لا يغيب عن حضرة حضوره ذرة من ذرائر ما لاحت عليه شمس الوجود . ولجمعيته وشموله ، وصدق نزوله من عند الله اتصف بوصفه سبحانه تأكيداً ومبالغةً ، ولكونه نازلاً من عنده سبحانه على مقتضى الحكمة البالغة ؛ لتأييد رسوله المعبوث إلى كافة الأمم صار { هُدًى } عاماً ، ورشداً تاماً كله للمتثلثين بما فيه من الأوامر والنواهي ، والأحكام والقصص ، والتذكيرات والعبر ، والرموز والإشارات { وَرَحْمَةً } خاصة نازلة من عنده سبحانه { لِّلْمُحْسِنِينَ } [ لقمان : 3 ] الذي لا يرون غير الله في الوجود ، ولا يعبدون سواه من الوسائل ، ولا ينسبون الحوادث الكائنة في الآفاق إلى الأسباب العادية ، والمحسنون المرضيون عند الله ، الراضون بما جرى عليهم من نفوذ القضاء . هم { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } ويواظبون عليها في جميع أوقاتهم وحالاتهم ، سيما الأوقات المحفوظة المقبولة { وَيُؤْتُونَ } وينفقون جميع ما في أيديهم من الرزق الذي يسوق الحق إليهم في سبيله طلباً لمرضاته ، سيما { ٱلزَّكَاةَ } المفروضة عليهم من عنده سبحانه تزكيةً لظواهرهم عن الالتفات إلى ما يشغلهم { وَ } مع ذلك لا يقتصرون أولئك السعداء المقبولون بتهذيب الظاهر والباطن ، بل { هُمْ بِٱلآخِرَةِ } المعدة لتنقيد الأعمال وجزاء الأفعال { هُمْ يُوقِنُونَ } [ لقمان : 4 ] علماً وعيناً وحقاً . وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المتصفون بالخصائل السنيَّة والأخلاق المرضية { عَلَىٰ هُدًى } صريح صحيح ، فائض نازل إياهم { مِّن رَّبِّهِمْ } تفضلاً عليهم ، وامتناناً لهم { وَأُوْلَـٰئِكَ } الأمناء المقبولون المرضيون عند الله { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ لقمان : 5 ] المقصورون على الفوز والفلاح { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] . جعلنا الله من خدامهم وتراب أقدامهم . { وَمِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على كفران نعم الله ، ونسيان حقوق كرمه وجوده { مَن يَشْتَرِي } ويستبدل آيات الكتاب المشتمل على أنواع الفضائل والكمالات ، وأصناف الهدى والكرامات { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي : يستبدل الآيات الإلهية ، ويختار بدلها من الأراجيف الكاذبة ما يلهي النفوس ، ويشغلها عما يعينها ويفيدها ، ويقربها إلى ما لا يعنيها ويضرها ، وما ارتكب ذلك الضال المضل بما ارتكب من الاشتراء والاستبدال الفاسد إلاَّ { لِيُضِلَّ } ويصرف { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } من يميل إليها ويتوجه نحوها ؛ ليتدين بدين الله ، وينقاد لنبيه على مقتضى فطرته الأصلية ، مع أنه صدر عنه هذا الصرف والمنع { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يتعلق به منه نقلاً ، عن جهل مرتكز في جبلته ، وحميته مركوزة في خبث طينته طبيعته . { وَ } بسبب ذلك الجهل الجبلي { يَتَّخِذَهَا } إلى الآيات الموصلة إلى طريق الحق وتوحيده { هُزُواً } أي : محل استهزاء وسخرية ؛ لجهله وغفلته عن السرائر المودعة فيها ، والأسرار المكنونة في فحاويها { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المجبولون عن الغواية والضلالة أصلاً وفرعاً ، تابعاً ومتبوعاً { لَهُمْ } في النشأة الأخرى { عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ لقمان : 6 ] يهينهم فيها بدل ما استهانوا بكتاب الله ، واستهزءوا برسله ظلماً وزوراً بلا تدرب وتدبر . { وَ } من شدة شكيمته ، وبغضه بالله ورسوله وكتابه ، ونهاية عتوه وعناده { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } وقرئ عنده { ءَايَاتُنَا } الدالة على توحيد ذاتنا ، وكمال أسمائنا وصفاتنا { وَلَّىٰ } عنها ، وأعرض عن استماعها ، وانصرف عن قبولها { مُسْتَكْبِراً } عليها ، متجافياً كشحه عنها ، { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } مع أنها تُتلى عليهم قصد الاستماع ، ولم يلتفت إليها { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } صمماً يعوقه عن السماع والاستماع { فَبَشِّرْهُ } يا أكمل الرسل بعدما أعرض عن كتاب الله ، واستنكف عن استماعه وإصغائه مستخفاً عليه ، مستحقراً إياه { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان : 7 ] مؤلم في غاية الشدة والألم .