Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 8-11)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ عقب سبحانه وعيد الكفرة الهالكين في تيه الغي والضلال بوعد المؤمنين على مقتضى سنته المستمرة فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله ، وصدقوا رسله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المرضية له سبحانه ، المقبولة عنده على مقتضى ما نزل عليهم من الآيات الواردة إياهم ، المصفية لظواهرهم وبواطنهم { لَهُمْ } في النشأة الأخرى جزاء ما أتوا به من الإيمان والعمل الصالح في النشأة الأولى { جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } [ لقمان : 8 ] متنزهات مملوءة بألوان النعم ، وأصناف الجود والكرم ، لا يتحولون منها أصلاً ، بل صاروا { خَالِدِينَ فِيهَا } مترفهين بنعيمها لا يمسهم فيها نصب ولا وصب { وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي وعد لخلَّص عباده من عنده على مقتضى علمه وإرادته لا بدَّ له أن ينجزه { حَقّاً } صدقاً بلا خلف وتردد { وَ } كيف يخلف في وعده { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على جميع ما دخل في حيطة علمه وإرادته { ٱلْحَكِيمُ } [ لقمان : 9 ] المتقن في إيجاده وإظهاره على الوجه الذي أراد . ومن جملة حكمته المتقنة المتفرعة على حضرة علمه المحيط ، وقدرته الشاملة ، وإرادته الكاملة أنه { خَلَقَ } وأظهر { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسباب { بِغَيْرِ عَمَدٍ } وأسانيد على الوجه الذي { تَرَوْنَهَا } معلقة على الأرض بلا استناد واتكاء { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } التي هي عالم المسببات { رَوَاسِيَ } شامخات ، وجبالاً راسيات ؛ كراهة { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } وتميل عليكم وقت ترددكم وتحرككم عليها { وَبَثَّ فِيهَا } أي : بسط عليها ، ونشر { مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } تتحرك عليها متبادلة متقابلة كيف اتفق ؛ لتستقر وتتمكن ؛ لأن طبيعتها في حد ذاتها كانت على الحركة والاضطراب ؛ إذ هي محفوفة بالماء السائل المجبول على الحركة والسيلان ، وبالهواء المتموج بالطبع ، وبالنار المضطربة ، وبالأفلاك المتحركة بطبقاتها { وَ } بعدما شهدناها وألقينا عليها من الرواسي العظام تتميماً لتقريرها { أَنزَلْنَا مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مَآءً } مستحدثاُ من الأبخرة والأدخنة المتصاعدة المتراكمة ، المتسحيلة بالماء بمجاورة الكرة الزمهريرية { فَأَنْبَتْنَا } وأخرجنا بإنزال الماء عليها { فِيهَا } أي : في الأرض المنبسطة اليابسة بالطبع { مِن كُلِّ زَوْجٍ } صنف من النبات مزدوج مع شاكلته { كَرِيمٍ } [ لقمان : 10 ] كثير المنافع الفوائد ، مصلح للأمزجة ، قموم لها ؛ لتعيشوا عيلها مترفيهن متنعمين ، شاكرين لنعمنا ، غير كافرين بمقتضى جودنا وكرمنا . ثمَّ قال سبحانه من مقام العظمة والكبرياء ، وكمال المجد والبهاء على سبيل الإسكات والتبكيت لمن أشرك معه غيره عناداً ومكابرةً : { هَـٰذَا } الذي سمعتم أيها المجبولون على السمع والإصغاء { خَلْقُ ٱللَّهِ } القادر المقتدر ذي الحول والقوة الغالبة ، والطول العظيم { فَأَرُونِي } أيها المشركون المسرفون ، المفرطون في دعوى الشرك معه سبحانه { مَاذَا خَلَقَ } أي : أيّ شيء أظهر وأوجد الشركاء { ٱلَّذِينَ } تعبدونهم وتدعون نحوهم في الخطوب ، وتذعنون أنهم آلهة { مِن دُونِهِ } سبحانه مستحقة للعبادة والرجوع ، قادرة على لوازم الألوهية والربوبية ، فسكتوا بعدما سمعوا ما سمعوا باهتين ، وانقلبوا حينئذٍ صاغرين { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ } المجبولون على الظلم والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ، سيما بدعوى الشركة واتخاذ إلهٍ سواه - العياذ بالله منه - { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ لقمان : 11 ] وغوايةٍ ظاهرةٍ ، وطغيانٍ عظيمٍ .