Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-31)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ لمَّا اشتكت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من العسرة في المأكل والمشرب والملبس ، وسألن منه ثياب الزينة والزيادة في النفقة ، واسعة في المعيشة ، وليس معه صلى الله عليه وسلم من حطام الدنيا ما يكفي مؤنتهن على هذا الوجه اغتم رسول الله صلى الله عليه سلم ، وتحزن حزناً شدياً ، فقال تعالى منادياً له : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المباهي بالفقرة والعسرة { قُل لأَزْوَاجِكَ } حين يسألن عنك أسباب التنعم والترفه ، وسعة العيش على سبيل التخيير : { إِن كُنتُنَّ } أيتها الحرائر العفائق { تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } يعني : مطاعمها الشهية ، وملابسها البهية { فَتَعَالَيْنَ } وتراضين { أُمَتِّعْكُنَّ } أي : أعطيكن المتعة حسب ما ترضين { وَأُسَرِّحْكُنَّ } أي : أطلقن بعد إعطائها { سَرَاحاً جَمِيلاً } [ الأحزاب : 28 ] طلاقاً بيِّناً لا بدعياً بلا ضرر ولا إضرار . { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : رضاء الله ورضاء رسوله { وَ } تطلبن { ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ } أي : المثوبات المعدة يها ، الجنان الموعدة عليها فعليكن أن تصبرن على ملاذ الدنيا ومشتهياتها ، وسعة مطعوماتها ولين ملبوساتها ؛ حتى تكنَّ من زمرة المحسنات اللاتي تحسنَّ في توجههن نحو الحق واللذة الأخروية ، مائلات من أمتعة الدنيا ولذاتها وشهواتها ، منصرفات عنها وعن أمتعتها وألبستها ، سوى سدّ جوعة وستر عورة { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائر عباده { أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ } المرجحات جانب الله وجانب رسوله على مقتضى نفوسهن ، واللذات الأخروية على الدنيا وما فيها { مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } [ الأحزاب : 29 ] يُستحقر دونها الدنيا ما فيها من اللذات الفانية ، والشهوات الغير باقية . ثمَّ لمَّا نبه سبحانه عليهن طريق الأحسان ، وعلمهن سبيل الفوز إلى درجات الجنان أراد أن يجنبهن ويبعدهن عن دركات النيران ، فقال منادياً عليهن ؛ ليقبلن إلى قبول ما يبتلى عليهن : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ } - أضافهن سبحانه إياه صلى الله عليه وسلم ؛ للتعظيم والتوقير - من شأنكن التحصن والتحفظ عن الفحشاء ، والتحرز عن المكروهات مطلقاً { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ } وفعلة قبيحة ، وخصلة ذميمة عقلاً وشرعاً { مُّبَيِّنَةٍ } أي : بينة ظاهرة فحشها بنفسها ، أو ظاهرة واضحة قبحها شرعاً وعرفاً - على كلتا القراءتين - { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } يعني : عذابكن ضعف عذاب سائر الحرائر لا أزيد منها ؛ حتى لا يؤدي إلى الظلم المنافي للعدالة الإلهية ، كما يضاعف عذاب سائر الحرائر بالنسبة إلى الإماء { وَكَانَ ذَلِكَ } التضعيف { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [ الأحزاب : 30 ] يعذبكن أن تأتي إحداكنن بها . { وَمَن يَقْنُتْ } ويطع على سبيل الخضوع { مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } ويداوم على إطاعتهما وانقيادهما بإتيان الواجبات ، وترك المحظورات والمكروهات { وَتَعْمَلْ صَالِحاً } من النوافل والمندوبات { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا } أي : جزاء أعمالها وطاعاتها في يوم الجزاء { مَرَّتَيْنِ } مرة على مقابلة الأعمال المأتية ومقتضى الطاعات المرضية ، ومرة على ترجيحها رضا الله ورضا رسوله على مشتهيات نفسها { وَأَعْتَدْنَا } تفضلاً { لَهَا } وامتناناً عليها وراء ما استحقت بالأعمال والطاعات { رِزْقاً كَرِيماً } [ الأحزاب : 31 ] صورياً في الجنة مما تشتهي نفسها وتلذ عينها ، ومعنوياً من الحالات الطارئة عليها عند اسغراقها بمطالعة جمال الله وجلاله .