Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 25-27)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من كمال لطف الله على المؤمنين ، ووفور رحمته وإحسانه عليهم { رَدَّ ٱللَّهُ } عنهم كيد أعدائهم { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : الأحزاب المزدحمين حواليهم ، المتفقين على مقتهم { بِغَيْظِهِمْ } أي : مع كمال غيظهم في مقت المؤمنين ، ووفور تهورهم وجرأتهم عليك ؛ لذلك طردهم سبحانه خائبين خاسرين ، بحيث { لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } مما أملوا في نفوسهم من الظفر على المؤمنين واستئصالهم { وَ } من كمال رأفته سبحانه عل المؤمنين : { كَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } أي : مؤنة قتال الأحزاب بريح الصبا وجنود الملائكة ، بحيث لم يقدم أحد من المؤمنين لقتالهم فانهزموا إلى حيث لم يلتفت أحد منهم خلفه ، ولم يعاون أخاه { وَ } ليس ببدع من الله أمثال هذه الكرامات لأنبيائه وأوليائه ؛ إذ { كَانَ ٱللَّهُ } المراقب لأحوال عباده { قَوِيّاً } قديراً في نفسه يقوي أولياءه { عَزِيزاً } [ الأحزاب : 25 ] غالباً ينصرهم ويغلبهم على أعدائهم فضلاً لهم وكرامةً عليهم . { وَ } بعدما كفى الله المؤمنين مؤنة الأحزاب أراد أن يكفيهم مؤنة معاوينهم ؛ لذلك { أَنزَلَ } سبحانه { ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم } وعاونوهم ؛ أي : الأحزاب { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني : يهود قريظة والنضير { مِن صَيَاصِيهِمْ } أي : حصونهم وقلاعهم ، جميع صيصية ، وهي ما يُتحصن به من الجبل وغيره ، وذلك أنه بعدما انهم الأحزاب ، ورجعوا خائبين خاسرين إلى بلادهم ، ورجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع أصحابه ، وشرع يغسل رأسه ، والأصحاب قد انتزعوا عن أسلحتهم ، فجاءه جبريل معتجراً بعمامة من إستبرق ، والنقع على ثناياه وعلى فرسه الذي اسمه حيزوم ، وقال : وضعتم السلاح ، إن الملائكة لم تضع أسلحتها منذ أربعين ليلة ، إن الله يأمرك بالمسير إلى قريظة ، وإني مزلزل حصونها ، وكان صلى الله عليه وسلم قد غسل نصف رأسه فعصبه وأذن بالرحيل ، فقال : " من كان سامعاً ومطيعاً فلا يصلين العصر إلى في بني قريظة " . وأعطى رايته علياً - كرم الله وجهه - فسار بالناس حتى دنا من الحصن فحاصرهم عليه السلام إحدى و عشرين ، أو خمساً وعشرين ليلة ، وأجهدهم الحصار وضعفوا { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي : الخوف مع كونهم متحصنين ، فأرسل عليه السلام فقال لهم : أتنزلون بحكمي فأبوا ، فقال : على حكم سعد بن معاذ ، فرضوا بحكمه فنزلوا ، فحكم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم ، فكبَّر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لقد حكمت بحكم الله يا سعد من فوق سبعة أرقعة " فقتل منهم ستمائة وأكثر ، وأسر منهم سبعمائة ، كما قال سبحانه { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } [ الأحزاب : 26 ] . { وَ } بعدما استأصلوا بالأسر والقتل { أَوْرَثَكُمْ } الله سبحانه إليكم أيها المؤمنون { أَرْضَهُمْ } أي : مزارعهم { وَدِيَارَهُمْ } التي تسكنون فيها مع ما فيه من الأمتعة والرخوة { وَأَمْوَالَهُمْ } أي : مواشيهم ونقودهم وتجارتهم تفضلاً عليكم ، وامتناناً { وَ } كذا تفضل سبحانه عليكم ، وأورثكم { أَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } أي : لم تتحركوا عليها ، بل لم تبصروها ولم تسيروا إليها أصلاً ، وهي خيبر أو مكة ، أو فارس أو الروم ، أو كل أرض يفتح الله إلى يوم القيامة { وَ } لا تتعجبوا من كمال فضل الله وسعة جوده أمثال هذه الكرامات ؛ إذ { كَانَ ٱللَّهُ } المتفرد بالقدرة الكاملة ، والقوة التامة الشاملة { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من مقدوراته ومراداته { قَدِيراً } [ الأحزاب : 27 ] لا يعسر عنده مقدور دون مقدور ، بل الكل في جنب قدرته على السواء ، { فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } [ الملك : 3 ] في مقدور حكيم قدير { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [ الملك : 4 ] .