Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 55-58)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ لمَّا نزلت آية التستر والحجاب قيل : يا رسول الله ، الأبناء والآباء والأقارب والعشائر أيضاً يتكلمون معهن من وراء الحجاب ؟ نزلت : { لاَّ جُنَاحَ } أي : لا إثمولا ضيق { عَلَيْهِنَّ } أي : على أزواجه صلى الله عليه وسلم { فِيۤ } اختلاط { آبَآئِهِنَّ } والتكلم معهن بلا سترة وحجاب { وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ } أيضاَ { وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ } إذ الكل بعيد عن التهمة ، مصون عن الريبة { وَلاَ نِسَآئِهِنَّ } يعني : النساء المؤمنات لا الكتابيات { وَلاَ } جناح أيضاً في { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } من العبيد والإماء ، وقيل : من الإماء خاصة دون العبيد ، كما مر في سورة " النور " . { وَ } بالجلمة : يا نساء النبي المحفوظ ، المصون عن أدناس الطبيعة مطلقاً { ٱتَّقِينَ ٱللَّهَ } الغيور المنتقم ، واحذرن عن محارمه ومنهياته مطلقاً ، وامتثلن بأوامره حتى تشاركن معه صلى الله عليه وسلم في أخص أوصافه { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائركن { كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } خلج في خواطركن من الإثم واللمم { شَهِيداً } [ الأحزاب : 55 ] حاضراً عنده ، غير مغيب عنه إلى حيث لا يخفى عليه سبحانه خافية وإن دق ولطف . ثم أشار سبحانه إلى تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ، والاعتناء بشأنه وعلو منزلته ومكانه ، فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { وَمَلاَئِكَـتَهُ } المهيمين عنده ، الوالهين بمطالعة جماله ، المتسغرقين بشرف لقائه { يُصَلُّونَ } يعتنون ويهتمون بإظهار فضله ؛ تبجيلاً وتعظيماً { عَلَى ٱلنَّبِيِّ } الحقيق لأنواع التوقير والتمجيد ، المستحق لأصناف الكرامة والتحميد { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله بوسيلة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتحققوا بتوحيده سبحانه بإرشاده صلى الله عليه وسلم أنتم أولى وأحق بتعظيمه وتصليته وتسليمه { صَلُّواْ عَلَيْهِ } مهما سمعتم اسمه وذكرتم بأنفسكم ، وقولوا : اللهم صل على محمد { وَسَلِّمُواْ } له { تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] قائلين : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، والآية تدل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين كلما جرى ذكره في أي حال من الأحوال والأحيان اللائقة للدعاء . ثم لما أشار سحبانه إلى علو شأن نبيه صلى الله عليه وسلم وسمو برهانه ، وأوجب على المؤمنين تعظيمه وتوقيره والانقياد إليه في جميع أوامره ونواهيه ، أراد أن يشير إلى أن من قصد إيذاءه وأساء الأدب معه ، يستحق اللعن والطرد ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } حيث يأتون بالأفعال الذميمة القبيحة ، المستكرهة عقلاً وشرعاً عنده صلى الله عليه وسلم فيؤذونه بها ، ذكر سبحانه نفسه ؛ تعظيماً لشأن حبيبه صلى الله عليه وسلم وإلا فهو منزه عن التأذي والتأثر ، أو لأن إيذاءه صلى الله عليه وسلم مستلزم لإذائه سبحانه { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } المنتقم عنهم ، وطردهم عن سعة رحمته { فِي ٱلدُّنْيَا } على ألسنة خلَّص عباده ، وأبعدهم عن مجالسهم ومحافلهم { وَٱلآخِرَةِ } عن عز حضوره وسعة رحمته وجنته { وَأَعَدَّ لَهُمْ } في النار { عَذَاباً مُّهِيناً } [ الأحزاب : 57 ] مؤلماً مزعجاً ، لا عذاب أسوأ منه وأشد . ثم أردف سبحانه إيذاءه صلى الله عليه وسلم بإيذاء المؤمنين فقال : { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } بذمائم الأفعال والأقوال ، وقبائح الحركات { بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } أي : بغير جريمة صدرت عنهم واستحقوا الجناية عليها { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ } وتحملوا هؤلاء المؤذين المفترين { بُهْتَاناً } جالباً لأنواع العقوبات { وَإِثْماً مُّبِيناً } [ الأحزاب : 58 ] ظاهراً عظيماً مستعقباً ، مستتبعاً لأسوأ الجزاء ، وأشد العقاب والنكال ؛ إذ رمي المحصنات من أفحش الجنابات .