Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 1-4)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَمْدُ } المحيط ، المستوعب لجميع المحامد الناشئة من ألسنة عموم ما لمع عليه برق الوجود ، ثابت { للَّهِ } المستجمع لجميع الأوصاف والأسماء المربية لعموم الأشياء الكائنة غيباً وشهادةً { ٱلَّذِي } ثبت { لَهُ } ملكاً وتصرفاً وإظهاراً وإعداماً وإعادةً جميع { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : علويات عالم الأسماء والصفات والأعيان الثابتة في الأزل { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : سفليات عالم الطبيعة المنعكسة من العلويات وما بينهما من الكوائن والفواسد التي برزت بنور الوجود على مقتضى الوجود ، من مكمن العدم إلى فضاء الظهور { وَ } بعدما ثبت أن الكل منه بدأ وإليه يعود في الانتهاء ، ثبت { لَهُ ٱلْحَمْدُ } والثناء الصادر من عموم ألسنة المظاهر ، المتوجه نحو المظهر الموجد طوعاً لا غيره من الوسائل والأسباب العادية ؛ إذ منتهى الكل إليه { فِي ٱلآخِرَةِ } كما أن مبدأه منه في الأولى ، فله الحمد في الأولى والأخرى { وَ } كيف لا { هُوَ ٱلْحَكِيمُ } المتقن في أفعاله بالاستقلال بلا شريك وظهير { ٱلْخَبِيرُ } [ سبأ : 1 ] عن كيفية اتحاد المظاهر وإعدامها ، أولاًَ وآخراً ، أزلاً وأبداً . إذا هو سبحانه بمقتضى علمه الحضوري { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : ظلمة الطبيعة القابلة لفيضان الاستعدادات ، الفائضة من المبدأ الفياض { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من المعارف والحقائق الكامنة المختفية فيها على مقتضى تربية مربيها ومظهرا { وَ } كذا يعلم بعلمه الحضوري { مَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : عالم الأسماء إلى أرض المظاهر والمسميات من الفيوضات والفتوحات ، الشاملة لأنواع الكمالات { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } متصاعدة من المكاشفات والمشاهدات الحاصلة من تلك الفتوحات الهابطة { وَ } بالجملة : { هُوَ ٱلرَّحِيمُ } لعباده بإفاضة أنواع الكرامات بمقتضى رحمته الواسعة { ٱلْغَفُورُ } [ سبأ : 2 ] لذنوب أنانياتهم وتعيناتهم الباطلة بعدما رجعوا إليه وتوجهوا نحوه تائبين آيبين مخلصين . رزقنا الله الوصول إلى محل القبول . { وَ } بعدما أخبر سبحانه بقيام الساعة في كتبه وعلى ألسنة رسله ، سيما في كتابك يا أكمل الرسل وعلى لسانك { قَالَ } الجاحدون المنكرون { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالحق ، وستروه بالباطل وكذبوا الرسل وعاندوا معهم يا أكمل الرسل ، مستهزئين : { لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ } الموعدة على لسانك أيها المدعي مع أنك أدعيت الصدق في جميع أخبارك وأقوالك ، فكيف لا تأتي الساعة التي ادعيت إتيانها ، وأخبرت بها ؟ ! لعلك كذبت وافتريت إلى ربك { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما استهزءوا معك ، ونسبوك إلى الكذب والافتراء ، وأنكروا بإتيان الساعة : { بَلَىٰ } تأتي الساعة الموعودة عليَّ وعلى حميع الرسل والأنبياء ، لاشك في إتيانها وقيامها { وَ } حق { رَبِّي } القادر المقتدر على إنجاز جميع ما وعد بلا خلف { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } الساعة الموعودة من عندهح إذ وعده سبحانه مقضي حتماً جزماً بلا شائبة شك وطريان غفلة عليه وسهو عنه ، وكيف يطرأ عليه سبحانه سهو وذهول ، وهو { عَالِمِ ٱلْغَيْبِ } بالعلم الحضوري ، فالمغيبات حاضرة عنده غير مغيبة عنه ؛ إذ { لاَ يَعْزُبُ } ولا يغيب { عَنْهُ } سبحانه وعن حيطة حضرة علمه { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } ومقدار خردلة لا من الكوائن { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : العلويات { وَلاَ } من الكوائن { فِي ٱلأَرْضِ } أي : السفليات ، ولا من المكونات الحادثة بينهما { وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ } المقدار { وَلاَ أَكْبَرُ } منه { إِلاَّ } وهو مثبت { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 3 ] هو حضرة علمه ولوح قضائه . إنما أثبت وأحضر الكل في لوح قضائه { لِّيَجْزِيَ } سبحانه المؤمنين { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيده ، واعترفوا بتصديق رسله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة إليه سبحانه ، المقبولة عنده ، خير الجزاء ويعطيهم أحسن المواهب والعطاء { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عنده المستحقون لأنواع الكرامات { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لما تقدم من ذنوبهم تفضلاً عليهم { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [ سبا : 4 ] صوري في الجنة ، ومعنوي عند وصولهم إلى شرف لقائه ، بلا كيف وأين ووجهة وجهة ومكان وزمان .