Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 5-9)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } ليجزي سبحانه أيضاً أسوأ الجزاء وأشد العذاب والنكال الكافرين { ٱلَّذِينَ سَعَوْا } واجتهدوا { فِيۤ } إبطال { آيَاتِنَا } الدالة على توحيد ذاتنا وكمال أسمائنا وصفاتنا حال كونهم { مُعَاجِزِينَ } قاصدين عجزنا عن إتيان الآيات البينات ، منكرين لإيجادنا وإنزالنا إياها ، مكذبين رسلنا الحاملين لوحينا ، صارفين الناس عن تصديقهم وعن الإيمان بنا وبهم ، وملتهم { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون ، المبعدون عن روح الله وسعة رحمته ، المنهمكون في الغي والضلال { لَهُمْ عَذَابٌ } عظيم ، أشد وأسوأ { مِّن } كل { رِّجْزٍ أَلِيمٌ } [ سبأ : 5 ] وعقوب مؤلمة ؛ لعظم جرمهم وسعيهم في إبطال آياتنا الناشئة عن كمال قدرتنا ووفور حكمتنا ، وإنما سعوا واجتهدوا في إبطال آياتنا ؛ لجهلهم بنا وبها بما فيها من الهداية العظمى والسعادة الكبرى ، وعدم تأملهم وتدبرهم في مرموزاتها ومكنوناتها ؛ لذلك أنكروا بها اجتهدوا في إبطالها وتكذيبها جهلاً وعناداً . { وَيَرَى } يا أكمل الرسل العلماء العرفاء { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } من قبلنا فضلاً منا إياهم المتعلق بأن الكتاب { ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } تأييداً لشأنك وترويجاً لأمرك { هُوَ ٱلْحَقَّ } المطابق للواقع ، الحقيق بالمتابعة والإطاعة ، الثابت المثبت نزوله عندنا بلا ريب وتردد { وَ } كيف لا يكون حقاً { يَهْدِيۤ } بأوامره ونواهيه أو تذكيراته الضالين المنصرفين عن جادة العدالة { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ } الغالب ، القادر المقتدر على انتقام المنحرفين عن منهج الرشاد { ٱلْحَمِيدِ } [ سبأ : 6 ] المستحق في ذاته لجميع المحامد الكرمات ، لولا تحميد الناس له وتمجيدهم إياه ، وصراطه هو التوحيد الذاتي المستلزم لتوحيد الصفات والأفعال ، المنبئ عن إسقاط عموم الإضافات . { وَ } بعدما سمع المشركون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحوال الحشر والنشر والمعاد الجسماني ، وأهوال الفزع الأكبر { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : بعض لبعض على سبيل الاستهزاء والتهكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مستفهمين مستنكرين ، متعجبين من قوله : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما أنكروه لاستبعادهم قوله إنكارهم على مقوله ، وإنما يتحدثون به بينهم ؛ لغرابته { يُنَبِّئُكُمْ } بالمحال العجيب ويخبركم بالممتنع الغريب معتقداً إمكانه ، بل جازماً بوقوعه ووجوده ، وهو أنكم { إِذَا مُزِّقْتُمْ } وفُرقتم { كُلَّ مُمَزَّقٍ } أي : تفريقاً بليغاً وتشتيتاً شديداً ، إلى حيث صرتم هباء تذهب به الرياح { إِنَّكُمْ } بعدما صرتم كذلك { لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ سبأ : 7 ] على النحو الذي كنتم عليها في حياتكم قبل موتكم بلا تفاوت ، كما يتجدد الأعراض بأمثالها . بعدما سمعتم قوله هذا ، كيف تتفكرون في شأن هذا الرجل الذي يدعي النبوة والوحي والرسالة من عند الحكيم العليم ، مع أنه صدر عنه أمثال هذه المستحيلات ، أي شيء تظنون في أمره هذا ؟ ! . { أَفْتَرَىٰ } وكذب عن عمد ونسبه { عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } تغريراً وتلبيساً على ضعفاء الأنام ؛ ليقبلوا منه أمثال هذه الخرافات ، ويعتقدوه رسولاً مخبراً عن المغيبات وعجائب الأمور وغرائبه { أَم بِهِ جِنَّةٌ } خبط واختلال يعرض في دماغه ، فيتكلم بأمثال هذه الهذيانات هفوة بلا قصد وشعور بها ، كما يتكلم بأمثاله سائر المجانين ، وسماه وحياً وإلهاماً ؟ ! . ثم لما بالغ المشركون في قدحه صلى الله عليه وسلم وتجهيله ، رد الله عليهم بأنه لا افتراء في كلامه صلى الله عليه وسلم وإخباره ، ولا خبط في عقله ؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم من أعقل الناس وأبعدهم عن الافتراء والمراء وأسلمهم عن الكذب وجميع الكدورات الطبيعية مطلقاً { بَلِ } الكافرون الضالون { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } والأمور التي أخبر الله بوقوعها فيها ، ولا يصدقون أيضاً بما نطق به الكتب والرسل ، مخلدون في النشأة الأخرى { فِي ٱلْعَذَابِ } المؤبد المخلد { وَ } متوغلون في { ٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ } [ سبأ : 8 ] عن الهداية أبد الآباد ، لا نجاة لهم منها ، ومن شدة غيَّهم وضلالهم تكلموا بأمثال هذه الهذيانات الباطلة بالنسبة إلى من هو منزه عن أمثالها مطلقاً . ثم أشار سبحانه إلى كمال قدرته واقتداره على انتقام المكذبين ليوم الحشر والجزاء والمفترين على رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل الجزاء من الخبط والجنون ، وغير ذلك من الأمور التي لا يليق بشأنه صلى الله عليه وسلم ، فقال مستفهماً على سبيل التقريع والتوبيخ : { أَ } عموا وفقدوا أبصارهم أولئك المعاندون { فَلَمْ يَرَوْاْ } ولم ينظروا ويبصروا { إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } المحيط بهم خلفاً ووراء { وَٱلأَرْضِ } الممهدة لهم بين أيديهم ، يتمكنون عليها ويتنعمون بمستخرجاتها وبما نزل عليها من السماء ، ولم تتفكروا وتتأملوا أن إحياء الموتى أهون من خلق السماوات العلا على إيجادهما أكمل من القدرة على إعادة المعدوم ، فينكروا قدرتنا عليها مع أنهم يرون منا أمثال هذه المقدورات ، ولم يخافوا من بطشنا وانتقامنا ، ولم يعلموا أنَّا من مقام قهرنا وجودنا وجلالنا { إِن نَّشَأْ } إهلاكهم واستئصالهم { نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ } كما خسفنا على قارون وأمثاله { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً } بالتحريك والتسكين على القراءتين ؛ أي : قطعاً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } فنهلكهم بها { إِنَّ فِي ذَلِكَ } البيان على وجه التقريع والتعبير { لآيَةً } دالة على قدرتنا وقهرنا على انتقام من خرج عن ربقة عبوديتنا { لِّكُلِّ عَبْدٍ } تحقق بمقام العبودية وفوض أموره كلها إليها { مُّنِيبٍ } [ سبأ : 9 ] رجع إلينا وهرب عن مقتضيات قهرنا وجلالنا ، بعدما عرف أن الكل منا بدأ ، ويحولنا وقوتنا ظهر وعاد أيضاً كما بدأ ؛ إذ منا المبدأ وإلينا المنتهى ، وليس وراءنا مقصد ومرمى .