Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 24-30)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ } لهم أيضاً على سبيل التبكيت والإلزام ، مقرعاً إياهم : { مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسباب { وَٱلأَرْضِ } أي : عالم المسببات ، فيبهتون عن سؤالك { قُلِ } يا أكمل الرسل بعدما بهتوا : { ٱللَّهُ } إذ هو متعين للجواب وإن سكتوا عنه وتلعثموا مخافة الإلزام ، أضمروا في قلوبهم هذا ؛ إذ لا جواب لهم سواه ، ولا رازق إلا هو ولا معطي غيره { وَ } بعدما بهتوا وانحسروا ، واستولى الحيرة والقلق عليهم ، قل لهم على سبيل المجاراة والمداراة : { إِنَّآ } يعني : فرق الموحدين { أَوْ إِيَّاكُمْ } يعني : فرق المشركين ؛ أي : كل منا ومنكم { لَعَلَىٰ هُدًى } أي : على الحق المطابق للواقع { أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] ظاهر انحرافه ، موصل إلى الباطل الزاهق الزائل ، المضاد للحق الحقيق بالمتابعة والانقياد . { قُل } لهم أيضاً على سبيل المجاراة والمبالغة في المداراة معهم ، بحيث تسند الجرم إلى أنفسكم والعمل إليهم ؛ مبالغة في الإسكات والتبكيت : { لاَّ تُسْأَلُونَ } أنتم { عَمَّآ أَجْرَمْنَا } وجئنا به من الآثام { وَلاَ نُسْأَلُ } نحن أيضاً { عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سبأ : 25 ] من الأعمال ، بل كل منا ومنكم رهين ما اكتسبنا من العمل ، فعليكم ما حملتم ، وعلينا ما حملنا . { قُلْ } يا أكمل الرسل أيضاً على طريق الملاينة والملاطفة في الإلزام والتبكيت : { يَجْمَعُ بَيْنَنَا } وبينكم { رَبُّنَا } يوم نحشر إليه ونعرض عليه { ثُمَّ يَفْتَحُ } أي : يحكم ويفصل { بَيْنَنَا } ويرفع نزاعنا { بِٱلْحَقِّ } أي : العدل السوي بلا حيف وميل ، فيساق المحقون نحو الجنة والمبطلون نحو النار { وَ } كيف لا يحكمل ويفصل سبحانه { هُوَ ٱلْفَتَّاحُ } لمعضلات الأمور ، الحاكم لمعلقات القضايا { ٱلْعَلِيمُ } [ سبأ : 26 ] الذي يكتنه عنده كل معلوم ، ولا يشتبه عليه شيء منها . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما أشبعت الكلام على إسكاتهم وإلزامهم : { أَرُونِيَ } وأخبروني أيها المشركون { ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ } أي : بالله سبحانه ، وادعيتموه { شُرَكَآءَ } معه ، مستحقين للعبادة مثله ، وأخبروني عن أخص أوصافهم التي بها يستحقون الألوهية والمعبودية ، لا تأمل أيضاً في شأنهم والتدبر في حقهم ، ثم رد عليهم سبحانه ؛ ردعاً لهم وزجراً عا هم عليه ، وإرشاداً لهم إلى ما هو الحق الحقيق بالاتباع ، فقال : { كَلاَّ } أي : ارتدعوا أيها المشركون ، المسرفون عن دعوى الشركة مع الله الواحد الأحد الصمد ، الفرد الوتر ، الذي ليس له شريك ولا نظير ولا وزير ولا ظهير { بَلْ هُوَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد ، المستقل بالألوهية والربوبية ، بل هو في الوجود والتحقق { ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر الظاهر على من دونه من الأظلال الهالكة المضمحلة ، المتلاشية في شمس ذاته ، المتشعشعة المتجلية حسب أسمائه وصفاته { ٱلْحْكِيمُ } [ الحكيم : 27 ] المقتن في أفعاله المترتبة على علمه وإرادته وقدرته ، يفعل ما يشاء إرادة واختياراً ، ويحكم ما يريد استقلالاً ، ليس لأحد أن يتصرف في ملكه وملكوته . { وَ } بعدما ثبت ألاَّ معبود في الوجود سوانا ، ولا مستحق للعبادة غيرنا ، فاعلموا أنَّا { مَآ أَرْسَلْنَاكَ } يا أكمل الرسل بعدما انتخبناك من بين البرايا واصطفيناك منهم { إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } أي : رسالة عامة ، شاملة لقاطبة الأنام ؛ لتكفهم عن جميع الآثام ، وتمنعهم عن مقتضيات نفوسهم ومشتهيات قلوبهم مما يعوقهم عن سبل السلامة وطرق الاستقامة ، وبعدما أرسلناك إليه ، صيرناك عليهم { بَشِيراً } تبشرهم إلى درجات الجنان ، والفوز بلقاء الرحمن { وَنَذِيراً } تنذرهم وتبعدهم عن دركات النيران وأنواع العذاب والحرمان { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على الكفران والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [ سبأ : 28 ] حكمة الإرسال والإرشاد والهداية إلى سبيل الصواب والسداد ؛ لذلك عاندوا معك وكذبوك وأنكروا بكتابك ، وبجميع ما جئت به من عندنا عناداً ومكابرة . { وَيَقُولُونَ } لك منكريكن متهكمين ، بعدما وعدتهم بقيام الساعة وبعث الموتى من قبورهم ، وحشر الأموات من الأجداث : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ } الذي وعدتنا به ، عيِّنوا لنا وقت وقوع الموعود { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ سبأ : 29 ] في وعدكم ودعواكم ، هذا يعنون بالخطاب رسول لاله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين جميعاً . { قُل } يا أكمل الرسل في جوابهم بعدما اقترحوا على سبيل الإنكار : يناجي { لَّكُم } أيها المنكرون للبعث بغتة { مِّيعَادُ يَوْمٍ } أي : وعده أو زمانه بحيث { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [ سبأ : 30 ] أي : لا يسع لكم متى فاجأكم أن تطلبوا التأخر عنه آناً أو التقدم عليه طرفةً . وبالجملة : قيام الساعة إذ حل عليكم ، لا يمكنكم هذا ، ولذا قيل : الموت هو القيامة الصغرى ، وقال : صلى الله عليه وسلم : " من مات فقد قامت قيامته " .