Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 34-39)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } كيف لا نأخذهم بشؤم أعمالهم وأفعالهم ؛ إذ { مَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ } من القرى الهالكة { مِّن نَّذِيرٍ } من النذر المبعوثين لإصلاح مفسادهم { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي : متنعموها ، للرسل من فرط عتوهم وعنادهم ، اتكاءً على ما عندهم من الجاه والثروة على سبيل التأكيد والمبالغة : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي : بجميع ما أرسلتم أيها المدعون للرسالة والهداية والدعوة العامة ، وإقامة الحدود بين الأنام { كَافِرُونَ } [ سبأ : 34 ] جاحدون منكرون ، لا نقبل منكم أمثال هذه الخرافات . { وَقَالُواْ } مفتخرين بما عندهم من الجاه والثروة : نحن أولى بما أدعيتم من النبوة والرسالة ؛ إذ { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } إذ بالأموال تنال كل مطلوب ، وبالأولاد يظاهر على كل مملة ومكروه { وَ } بالجملة : { مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سبأ : 35 ] لا في الدنيا لما سمعت من كرامة الأموال والأولاد ، ولا في الآخرة أيضاً إن فرض وقوعها ؛ لأنَّا قوم أكرمنا الله بها في الدنيا ، فكذا يكرمنا في الآخرة . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في الافتخار والمباهاة بما عندهم من حطام الدنيا ومتاعها : { إِنَّ رَبِّي } القادر المقتدر على الإنعام والانتقام { يَبْسُطُ } ويكثر { ٱلرِّزْقَ } الصوري الدنيوي { لِمَن يَشَآءُ } من عباده ؛ اختباراً لهم وابتلاءً { وَيَقْدِرُ } أي : يقل ويقبض على من يشاء ؛ تيسيراً له وتسهيلاً عليه حسابه { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على السهوا والنسيان { لاَ يَعْلَمُونَ } [ سبأ : 36 ] حكمة قبضه وبسطه ؛ لذلك يفرحون بوجوده ويحزنون بعدمه ، ولم يتفطنوا أن وجوده يورث حزناً طويلاً وعذاباً أليماً ، وعدمه يوجب أنواع الكرمات ونيل المثوبات . ثم قال سبحانه تقريعاً على المفتخرين بالأموال والأولاد : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ } أيها المغرورون بهما ، المحرومون عن اللذات الأخروية بسببهما ، إلا وسيلة وواسطة { بِٱلَّتِي } أي : بالخلصة الحسنة التي { تُقَرِّبُكُمْ } أيها المأمورون بالتقرب إلينا بالأعمال المقبولة { عِندَنَا زُلْفَىٰ } أي : تقريباً مطلوباً لكم ، مصلحاً لأحوالكم وأعمالكم ومواجيدكم { إِلاَّ مَنْ آمَنَ } منكم أيها المتمولون المتكثرون للأولاد ، وأيقن بتوحيده سبحانه وصدق رسله وكتبه { وَعَمِلَ } عملاً { صَالِحاً } مقبولاً عند الله ، متقرباً إليه سبحانه ، بأن أنفق ماله في سبيل الله طلباً لمرضاته ، وعلَّم أولاده علم التوحيد والأحكام والعقائد المتعلقة بدين الإسلام { فَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله ، المبسوطون من عنده بالرزق الصوري في هذه النشأة { لَهُمْ } في النشأة الأخرى { جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } أي : جزاؤهم من الرزق المعنوي أضعاف ما استحقوا بأعمالهم إلى العشرة ، بل إلى ما شاء الله من الكثرة ، بل { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ } المعدة لأهل الجنة في الجنة { آمِنُونَ } [ سبأ : 37 ] مصونون عن جميع المؤذيات والمكروهات . ثم قال سبحانه : { وَ } الكافرون المنكرون المكذبون رسلنا وكتبنا { ٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ } ويجتهدون { فِيۤ } قدح { آيَاتِنَا } الدالة عظلمة ذاتنا ، وكمال أسمائنا وصفاتنا ، وعلى الأحكام الجارية بين عبادنا ، المتعلقة لأحوالهم في النشأتين حال كونهم { مُعَاجِزِينَ } قاصدين عجزنا عن إقامة الحدود بين العباد ، واتخاذ العهود منهم ، ووضع التكاليف والأحكام والآداب بينهم { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء ، الطاعنون لآياتنا الكبرى ، الغافلون عن فوائدها العظمى { فِي ٱلْعَذَابِ } المؤبد المخلد { مُحْضَرُونَ } [ سبأ : 38 ] لا يتحولون عنها ولا يغيرون . { قُلْ } يا أكمل الرسل للمسرفين المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية ، متكئين بما عندهم من الأموال والأولاد الفانية الزائلة ، مفتخرين بها تفوقاً وتبجحاً : { إِنَّ رَبِّي } العليم ، المطلع على جميع استعدادات العباد ، الحكيم في إفاضة ما يليق لهم { يَبْسُطُ } يزيد ويفيض { ٱلرِّزْقَ } الصوري { لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } تارة على مقتضى مشيئته ومراده { وَيَقْدِرُ لَهُ } أي : ينقص ويقبض الرزق عنه مرة أخرى إرادةً واختياراً على مقتضى حكمته ومصلحته التي استأثر الله بها في غيبه وحضرة علمه { وَ } بعدما سمعتم هذا اعلما أيها المبسوطون المنعمون { مَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ } استخلفكم الله سبحانه عليه من الرزق ، وأمركم بإنفاقه على فقرائه { فَهُوَ } سبحانه { يُخْلِفُهُ } ويعوض عنه بأضعافه وآلافه ، إن صدر عنكم الإنفاق بالاعتدال بلا تبذير وتقتير { وَ } كيف لا يخلف سبحانه الرزق الصوري لخلَّص عباده مع أنه { هُوَ } سبحانه { خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ سبأ : 39 ] بالرزق الصوري المعنوي ، المخلص لهم عن مقتضيات بشريتهم ومشتيهات أهويتهم البهيمية .