Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 40-43)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمن عبد الملائكة واتخذوهم أرباباً من دون الله مستحقين للعبادة والرجوع في الملمات مثله سبحانه ، وسموهم شفعاء { يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } في المحشر { جَمِيعاً } العبادون والمعبودون { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ } على رءوس الأشهاد ، وتفضيحاً للعابدين ، وتقريعاً لهم : { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ سبأ : 40 ] يعني : أهؤلاء المسرفون المشركون ي يعبدون إياكم كعبادتي ، بل يخصونكم بالعبادة ويهتمون بشأنكم ، هل تستبعدونهم وتسترضون عبادتهم وتوالون معهم ، أم يعبدونكم من تلقاء نفوسهم ؟ ! . { قَالُواْ } أي : الملائكة خائفين من بطشه سبحانه ، مستحيين ، متضرعين نحو جنابه : { سُبْحَانَكَ } ننزهل يا مولانا عما لا يليق بشأنك { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } وأنت المراقب علينا ، المطلع على سرائرنا وضمائرنا ، المتولي لجميع ما صدر عنا ، وأنت تعلم يا مولانا ألاَّ موالاة بيننا وبينهم ؛ إذ لا يخفى عليك خافية ، ومن أين يسع لنا ويتأتى من الرضا بأمثال هذه الجرأة والجرائم العظيمة ، وأنت أعلم يا مولانا بمعبوداتهم التي اتخذوها هؤلاء الغواة الطغاة ، الهالكون في تيه الجهل والغفلة ؛ لعلو شأنك وشأن ألوهيتك وربوبيتك { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } أي : الشياطين الداعين لهم إلى عبادتهم ، الراضين بها ؛ لأنهم يتمثلون بصور الملائكة ، ويدعون الألوهية والربوبية لأنفسهم ، ويأمرونهم بالعبادة لأنفسهم ، بل { أَكْـثَرُهُم } أي : كل المشركين ، وجملة المتخذين أنداداً لله { بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [ سبأ : 41 ] أي : بالشياطين ، عابدون لهم ، متوجهون نحوهم في عموم مهامهم . { فَٱلْيَوْمَ } تبلى السرائر ، وظهر ما في الضمائر ، ولا سلطان الوحدة الذاتية ، وانقهر الأظلال الأغيار ، وظهر أن الأمور كلها مفوضة إليه سبحانه ، وإن كان قبل ذلك أيضاً ، كذلك { لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ } أيها الأظلال المستهلكة في شمس الذات { لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } لا جلباً ولا دفعاً ، ولا لطفاً ولا قهراً { وَ } بعدما انقطع عنهم التصرف مطلقاً ، لا معنى ولا صورة ، ولا مجازاً ولا حقيقة { نَقُولُ } على مقتضى قهرنا وجلالنا { لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وخرجوا عن ربقة عبوديتنا ومقتضيات حدودنا الموضوعة لإصلاح أحوال عبادنا : { ذُوقُواْ } أيها الضالون المنهمكون في بحر العدوان والطغيان { عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } [ سبأ : 42 ] في نشأتكم الأولى بعدما أُخبرتم على ألسنة الرسل والكتب . { وَ } كيف لا نقول لهم ما نقول ؛ إذ هم كانوا من غاية عدوانهم وظملهم على الله وعلى رسله وكتبه { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } الدالة على إصلاح أحوالهم المتعقلة بالنشأتين مع كونها { بَيِّنَاتٍ } واضحات في الدلالة على أهل مقاصدهم ومطالبهم { قَالُواْ } من شدة شكيمتهم وغيظهم على رسول الله : { مَا هَـٰذَا } المدعي للرسالة والنبوة - يعنون الرسول صلى الله عليه وسلم - { إِلاَّ رَجُلٌ } حقير مستبد برأيه ، مستبدع أمراً من تلقاء نفسه { يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ } ويصرفكم { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } ويستتبعكم ؛ أي : يجعلكم تابعين له ، بل يستبعدكم بأمثال هذا التلبيس والتقرير { وَقَالُواْ } أيضاً في حق القرآن : { مَا هَـٰذَآ } الذي جاء به { إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } أي : كذب مختلق غير مطابق للواقع ، افتراه على الله ؛ تلبيساً وتقريراً على ضعفاء الأنام { وَ } بالجملة : { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ } الصريح ، وستروه بالباطل عدواناً وعناداً { لَمَّا جَآءَهُمْ } أي : حين عاينوا به وعلموا أنه من الخوارق العجيبة ، واضطروا خائبين حائرين عن جميع طرق الرد والمنع ، غير أنهم نسبوه إلى السحر وقالوا : { إِنْ هَـٰذَآ } أي : ما هذا الذي سماه قرآناً { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ سبأ : 43 ] ظاهر سحريته ، عظيم إعجازه .