Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 12-14)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم مثَّل سبحانه كلا الفريقين المؤمن والكافر بالبحرين العذب والمالح ، فقال : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ } في النفع والفائدة الحاصلة منهما ؛ إذ { هَـٰذَا } أي : المؤمن المصدق لبحر الإيمان والعرفان ، المترشح من بحر الوحدة الذاتية { عَذْبٌ } حلو في كمال الحلاوة { فُرَاتٌ } يكسر غليل أكباد المتعطشين في سراب الدنيا ببرد اليقين { سَآئِغٌ شَرَابُهُ } أي : سهل انحداره للمجبولين على فطرة التوحيد . { وَهَـٰذَا } أي : الكافر المتوغل في بحر الغفلة { مِلْحٌ } لا مصلح يصلح من يذوق منه ، بل { أُجَاجٌ } مر مفسد للمزاج ، من ذاق منه هلك هلاكاً أبدياً بحيث لا نجاة له ، بل { وَ } البحر الأجاج له نفع ، ولا نفع للكفر والضلال أصلاً ؛ إذ { مِن كُلٍّ } من البحرين { تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً } مثل السمك وغيرها { وَتَسْتَخْرِجُونَ } منهما { حِلْيَةً } أي : أنواعاً من التزيينات اللاتي { تَلْبَسُونَهَا } وإنما أباح لكم سبحانه أيها المكلفون منافع بره وبحره { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ فاطر : 12 ] أي : رجاء أن تشكروا نعمه ، وتزيدوا على أنفسكم مزيد كرمه . ومن كمال فضل الله عليكم ورحمته أنه { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ } أي : يدخل ظلمته { فِي } في { ٱلنَّهَارِ } فيطول أجزاء النهار بإيلاج أجزاء الليل في الصيف ؛ تتميماً لمصالح معيش عباده { وَ } كذا في الشتاء { يُولِجُ ٱلنَّهَارَ } أي : أجزاء منه { فِي ٱلْلَّيْلِ } فيطوله بأجزائه ؛ تسكيناً للقوى النامية ، وتمكيناً لها ؛ ليجددها للخدمة المفوضة إليها { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } أيضاً ؛ تتميماً لمصالح عباده إلى حيث { كُلٌّ } منهما { يَجْرِي } ويدور بإذن الله وإلهامه { لأَجَلٍ مُّسَمًّى } هي من مبدأ دوره إلى منتهاه ، أو إلى انقراض نشأة الدنيا { ذَلِكُمُ } المتصرف بالاستقلال والاختيار ، المدبر بكمال العلم والخبرة ووفور الحكمة والدرية ، هو { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } الذي أظهركم من كتم العدم ، ورباكم بأنواع النعم والكرم ، كيف لا يربيكم سبحانه بعدما أبدعكم ؛ إذ لا متصرف في الكائنات إلا هو { لَهُ ٱلْمُلْكُ } لا مالك له سواه ولا مدبر غيره . { وَ } المحجوبون { ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } وتدعون { مِن دُونِهِ } من التماثيل الباطلة والأظلال الهالكة العاطلة تعنتاً وعناداً ، مع أو ما يسمون أولئك الجاهلون آلهة سواه سبحانه ، ويسندون الأمور إليهم مكابرة { مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13 ] أي : ليس لهم أن يتصرفوا في قشرة رقيقة ملتفة على ظهر النواة ، وهذه مثل في القلة عند العرب فيكف في غيرها ؛ إذ الألوهية مسبوقة بوجوب الوجود بالصفات الكاملة الذاتية والأسماء الحسنى التي لا تعد ولا تحصى . وليس لهؤلاء الأظلال الهالكة وجود في أنفسها ، ومن أين يتأتى منهم الألوهية ؟ ! بل هم من أدنى الممكنات وأدون المكونات ؛ لكونهم جمادات لا شعور لهم أصلاً إلى حيث { إِن تَدْعُوهُمْ } وتلتجئوا نحوهم { لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } إذ ليس لهم قابلية السماع والاستماع { وَلَوْ سَمِعُواْ } يعني : لو فُرض أنه سمعوا على سبيل الفرض المحال { مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } إذ ليس لهم القدرة والإرادة والأوصاف الكاملة اللازمة للألوهية والربوبية { وَ } مع عدم نفعهم إياكم أنتم أيها الجاهلون { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ } ويؤاخذون { بِشِرْكِـكُمْ } وإشراككم ؛ أي : اتخاذكم إياهم شركاء مع الله ، وهم يتبرءون عنكم وأنتم عنهم { وَلاَ يُنَبِّئُكَ } ويخبرك أيها المخاطب النبيه الفطن أحوال النشأة الأخرى ، وما سيجري بينك وبين شركائك من البراءة والملاعنة { مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] وهو الله العليم الحكيم ، الذي لا يعزب عن إحاطة حضرة علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، لا في الأولى ولا في الأخرى ، وعنده مفاتح الغيب ومقاليد الأمور لا يعلمها إلاَّ هو .