Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 15-18)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم نادى سبحانه عموم عباده على سبيل الاستغناء عنهم وعن أعمالهم وعن محامدهم وأثنيتهم الجارية على ألسنتهم ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } الناسون عهود الله ومواثيقه التي واثقكم بها ربكم مع أنكم تنسون نعمه ، وتذهلون عن حقوق كرمه { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } المحتاجون بالذات المقصورون على الافتقار { إِلَى ٱللَّهِ } الذي أظهركم من كتم العدم ولم تكونوا شيئاً مذكوراً ، ورباكم بأنواع النعم ، سيما العقل المفاض ، الذي هو مذكركم عن مبدئكم ومنشئكم ، فلم تشكروا نعمة مبدعكم ومربيكم أيها الغافلون الجاهلون مع أنكم محتاجون إليه . { وَٱللَّهُ } المنزه بذاته عن شكر الشاكرين وكفر الكافرين { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } المنحصر على الغنى الذاتي ، بحيث لا احتياج له ولا استكمال أصلاً ؛ إذ كمالاته سبحانه كلها بالفعل بحيث لا ترقب في شئونه مطلقاً { ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] المحمود في نفسه على الوجه الذي يليق بشأنه ؛ إذ لا يتأتى عن مصنوعاته الحمد الحقيقي بذاته ، وإنما أظهركم أيها الأظلال الهالكة بمقتضى جماله ولطفه ؛ لتواظبوا على عبادته وعرفانه ، كي تصلوا إلى توحيده صاعدين من حضيض الإمكان إلى أوج الوجوب الذاتي علماً وعيناً وحقاً ، فأنتم تتكاسلون وتتمايلون إلى أهوية نفوسكم البهيمية ومشتهيات قواكم البشرية ، أَمَّا تخافون وتتأملون أيها المغرورون ؟ ! . { إِن يَشَأْ } سبحانه { يُذْهِبْكُـمْ } عن فضاء البروز بالمرة إلى كمون العدم { وَيَأْتِ } بدلكم { بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [ فاطر : 16 ] أي : بمخلوق سواكم ؛ تتميماً لحكمة العبادة والمعرفة . { وَ } اعلموا أيها الهالكون في تيه الغفلة أنه { مَا ذَلِكَ } التبديل والإتيان { عَلَى ٱللَّهِ } القادر المقتدر على إظهار جميع ما لاح عليه برق علمه وإرادته { بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 17 ] غير متعذر ، بل عنده ويجنب سرعة نفوذ قضائه سهل يسير . { وَ } بعدما عرفتم قدرة الله وسمعتم كمال استغنائه ، فلكل منكم الإتيان بمأموراته والاجتناب عن منهياته ؛ إذ { لاَ تَزِرُ } تحمل نفس { وَازِرَةٌ } آثمة عاصية { وِزْرَ } نفس عاصية { أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ } تطلب نفسه { مُثْقَلَةٌ } بالأوزار والمعاصي { إِلَىٰ حِمْلِهَا } أي : حمل بعض من الأوزار المحمول عليها { لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ } أي : لا يحمل أحد شيئاً من أوزاره ، وإن رضي بحملها على مقتضى العدل الإلهي { وَلَوْ كَانَ } المدعو للحمل { ذَا قُرْبَىٰ } أي : من قرابة الداعي ، بل كل واحد من النفوس يومئذ رهينة ما اقترفت من المعاصي ، ما حملت إلا عليها وما حوسبت بها إلا هي . ثم قال سبحانه مخاطباً لحبيبه صلى الله عليه وسلم في شأن عباده : { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } يعني : ما تفيد إنذاراتك التي تلوت يا أكمل الرسل على هؤلاء الغفلة إلا القوم الذين يخافون من الله ، ومن عذابه وعقابه حال كونهم غائبين عنه ، سامعين له ، خاشعين من نزوله ، خائفين من حلوله بغتة { وَ } مع ذلك { أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } المأمورة ، المقربة لهم إلى جانب قدسه ، المخلصين فيها ، المطهرين نفوسهم عن الميل إلى ما سوى الحق { وَمَن تَزَكَّىٰ } وظهر نفسه عن الميل إلى البدع والأهواء { فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } إذ نفع تزيكته عائد إليه ، مفيد له في أولاه وأخراه { وَ } بعد تزكيته عن لوازم بشريته ومقتضيات بهيميته العائقة عن الوصول إلى مبدأ فطرته { إِلَى ٱللَّهِ } المنزه عن مطلق النقائص ، المبرء عن جملة الرذائل { ٱلْمَصِيرُ } [ فاطر : 18 ] أي : المنقلب والمآب يعني : مرجع الكل إلأيه ، ومقصده دونه سبحانه .