Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 31-35)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل { مِنَ ٱلْكِتَابِ } الجامع لما في الكتب السالفة ، الحاوي لمعظمات أصول الدين { هُوَ ٱلْحَقُّ } المنزل من عندنا ، المثبت في حضرة علمنا { مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } وما يقدم عليه من الكتب والصحف المنزَّلة من عندنا ، المبيِّنة لحكمنا وأحكامنا { إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ } أي : مطلع لجميع أحوالهم الظاهرة والباطنة حتى استعداداتهم وقابلياتهم { بَصِيرٌ } [ فاطر : 31 ] بما جرى وسيجري عليهم في أولاهم وأخراهم . { ثُمَّ } بعدما اصطفيناك يا أكمل الرسل بالرسالة العامة ، وأيدنا أمرك بإنزال القرآن المعجز ، الموجز ، المشتمل لجميع فوائد الكتب السماوية مع زيادات خلت عنها الكل { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } المنزل إليك ، وأبقيناه بعدك بين القوم { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } واخترناهم بإرسالك إليهم وبعثتك بينهم ، فجعلناهم في اقتباس نور الهداية والتوحيد من مشكاة النبوة ، والرسالة الختمية المحمدية ، الحاوية لمراتب جميع الرسل الذين مضوا قبله صلى الله عليه وسلم أصنافاً ثلاثة : { فَمِنْهُمْ } من كمال شوقه إلى مبدئهم الأصلي وغاية تحننهم نحو الفطرية الجبلية التي فطر الناس عليها في بدء الأمر { ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } البشرية ، بحيث يمنع عنها جميع حظوظها النفسانية ومقتضيات قواها الجسمانية إلى حيث اتصل بعضهم من كمال احتماء نفسه عن متقضياتها البهيمية بالملأ الأعلى قبل انقراض النشأة الاولى ، وهم شطار الأولياء الذين صرفوا همهم بالوصول إلى مبدئهم الأصلي ومنزلهم الحقيقي . { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } معتدل ، مائل عن كلا طرفي الإفراط والتفريط ، بحيث لا يمنع نفسه عن ضرورياتها والمقومة لها ولا يكثرها عليها ، بل يمنعها عن الزيادة على الضروري في عموم الحوائج ، وبالجملة : يقتصد في الأعمال والأفعال والأقوال وجميع الأحوال ، وهم الأبرار من الأولياء { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } مواظب على الطاعات ، مشمر دائماً بالأعمال الصالحات وفواضل الصدقات ، والإنفاق على طلب المرضاة للفقرءا والمهاجرين في سبيل الله ، المنصرفين عن الدنيا وما فيها { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } وعلى مقتضى ما ثبت في كتابه ونطق به لسان رسوله ، وهم الأخيار المحسنون من الأولياء { ذَلِكَ } الإيراث والتوريث والإعطاء والاصطفاء { هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } [ فاطر : 32 ] من الله إياهم في أولاهم ، والفوز العظيم ، والنوال الكريم لهم في أخراهم . جعلنا الله من خدامهم ومحبيهم ، ومقتفي أثرهم . ومن جملة فضل الله إياهم في أخراهم : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } معدة لهم نزلاً ومنزلاً من عند الله { يَدْخُلُونَهَا } فريحن مسرورين آمنين فائزين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } تزييناً وتفضلاً { مِنْ أَسَاوِرَ } جزاء ما اقترفوا بأيديهم من الحسنات { مِن ذَهَبٍ } خالص مقابلة إخلاصهم في أعمالهم { وَلُؤْلُؤاً } أي : يحلون أيضاً من أنواع اللآلئ بدل ما يتقون نفوسهم من الميل إليها في نشأتهم الأولى { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ فاطر : 33 ] بدل ما يلبسون من الخشن في طريق المجاهدة والسلوك نحو الحق في النشأة الأولى . { وَ } بعدما وصلوا إلى مقام القرب ، بل اتصلوا برفع أنانيتهم وهوياتهم الباطلة عن البين إلى ما انقلبوا { قَالُواْ } بألسنة استعداداتهم موافقاً لقلوبهم : { ٱلْحَمْدُ } أي : جنس الحمد والثناء الشامل لجميع محامد جميع الحامدين قولاً وفعلاً وحالاً مقالاً ، مختص { للَّهِ } المستحق بالاستحقاق الذاتي والوصفي { ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ } وأزال { عَنَّا ٱلْحَزَنَ } المورث لنا من لوازم تعيناتنا وإمكاننا { إِنَّ رَبَّنَا } الذي ربانا بأنواع الكرامة ، ونجانا عن مضيق الإمكان المورث لأنواع الخذلان والخسران { لَغَفُورٌ } لذنوب أنانياتنا { شَكُورٌ } [ فاطر : 34 ] يقبل منا ، يقربنا إلى فضاء توحيده بتوفيقه وتأييده . إذ هو { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا } وأقمنا بفضله ولطفه { دَارَ ٱلْمُقَامَةِ } أي : منزل الإقامة والخلود { مِن فَضْلِهِ } بنا ولطفه معنا ؛ إذ لا موجب منا يوبجها لنا ، ولا يجب عليه سحبانه أيصالنا إليها آمنين مترفهين بحيث { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } تعب وعناء مثل ما مسنا في الابتلاء { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } [ فاطر : 35 ] أي : فترة وكلال تعقبب النصب .