Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 27-30)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي المعتبر { أَنَّ ٱللَّهَ } المقتدر بالقدرة الكاملة كيف { أنزَلَ } وأفاض { مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ } أي : سماء الأسماء والصفات الذاتية { مَآءً } محيياً لأموات الأراضي المائتة الجامدة ، الباقية على صرافة العدم { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي : بالماء المفاض ، المترشح من بحر الذات على أرض الطبيعة { ثَمَرَاتٍ } فواكه متنوعة من المعارف والحقائق والخواطف والواردات المختطفة على قلوب أرباب المحبة والولاء حسب حالاتهم ومقاماتهم { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } وكيفيتها علماً وعيناً وحقاً { وَمِنَ ٱلْجِبَالِ } التي هي الأوتاد والأقطاب القابلة لفيضان تلك الكرامات والفتوحات { جُدَدٌ } أي : ذوو طرق وسبل إلى كعبة الذات ، وعرفات الأسماء والصفات { بِيضٌ } مصفى في غاية الصفا ، بلا خلط ومزج لها بألوان التعينات والهويات أصلاً { وَ } بعضها { حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا } باختلاف مراتب قربهم وبعدهم عن المرتبة الأولى { وَ } بعضها { غَرَابِيبُ سُودٌ } [ فاطر : 27 ] أي : متناه في السواد والظلمة ، بحيث لا يبقى فيها شائبة شبه بالمرتبة الأولى ، بل هي مباين لها ، مناقض إياها بحيث لا يبقى المناسبة بينهما أصلاً . قيل : يشير سبحانه بالجدد البيض إلى طائفة الصوفية الذين هم صفّوا بواطنهم عما سوى الحق من الأمور المنصبغة بصبغ الأكوان وألوان الإمكان ، وبالحمر المختلف الألوان إلى طائفة المتكلمين الذين بحثوا عن ذات الله وصفاته ، متشبثين بالدلائل العقلية والنقلية الغير المؤيدة بالكشف والشهود ، المفيدة للظلن والتخمين إلا نادراً ، وبالغرابيب السود إلى طائفة الفقهاء الذين كثفت حجبهم وغلظت أغشيتهم وأعطيتهم إلى حيث لم يبق في فضاء قلوبهم موضع يليق لقبول انعكاس أشعبة أنوار الحق ، بل سوَّدوها وصبغوها إلى حيث أخرجوها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها . { وَ } أخرجنا به أيضاً ؛ أي : من الآثار تربية الماء وإحيائها أموات الأراضي { مِنَ ٱلنَّاسِ } المنهمكين في الغفلة والنسيان { وَٱلدَّوَآبِّ } المنسلخة عن رتبة الإدراك والشعور المتعلق بالمبدأ والمعاد { وَٱلأَنْعَامِ } المشغوفة بتوفير اللذات الجسمانية والمشتهيات النفسية { مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ } أي : أجناسه وأنواعه وأصنافه وأشكاله وهيئاته ، وبالجملة : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ } ويخاف من بطشه { مِنْ عِبَادِهِ } الذين أبدعهم وأظهرهم من كتم العدم بإفاضة رشاشات رشحات بحر وجوده بمقتضى جوده { ٱلْعُلَمَاءُ } العرفاء بالله وبأوصافه الكاملة الفائضة عليهم ، وأسمائه الحسنى الشاملة ، المتحققون بمرتبة التوحيد ، المنكشفون بسر سريان الوحدة الذاتية على عموم المظاهر ؛ إذ أخشى الناس من الله أعرفهم بشأنه ؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم : " إني أخشاكم الله وأتقاكم به " ، وكيف لا يخشى العارفون منه سبحانه { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { عَزِيزٌ } غالب على انتقام من أراد انتقامه من عباده { غَفُورٌ } [ فاطر : 28 ] ذنوب من تاب إلى الله ورجع نحوه عن ظهر قلب . ثم أشار سبحانه إلى خواص عباده ، وبنبههم على ما هو المقبول منهم عنده سبحانه من أعمالهم ، وحثهم عليها امتناناً لهم ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ } المنزل على رسوله { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } المفروضة ، المكتوبة في الأوقات المحفوظة ، المأمورة إياهم في كتاب الله { وَأَنفَقُواْ } طلباً لمرضاتنا { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } وسقنا إليهم من الرزق الصوري والمعنوي { سِرّاً } خفية من الناس ؛ اتقاءً عن وصمة الرياء والسمعة ، ومن الفقراء المستحقين أيضاً ؛ صوناً لهم عن أن يتأذوا حين أخذوا { وَعَلاَنِيَةً } أيضاً بعدما اقتضى المحل إعلامه ، ولم يتأت منه الإخفاء { يَرْجُونَ } من الله بالأفعال المذكورة { تِجَارَةً } من الأحوال والمقامات { لَّن تَبُورَ } [ فاطر : 29 ] أي : لن تهلك وتفسد وتفنى أصلاً . وإنما فعلوا ذلك { لِيُوَفِّيَهُمْ } ويوفر عليهم سبحانه { أُجُورَهُمْ } التي يستحقون بأعمالهم بها { وَيَزِيدَهُم } عليها { مِّن فَضْلِهِ } ما لا يعد ولا يحصى من الكرامات ؛ امتناناً لهم ، وكيف لا يوفيهم ويزيدهم سبحانه { إِنَّهُ } عز شأنه وجل برهانه { غَفُورٌ } في ذاته لفرطات عباده ، يغفر لهم ذنوبهم { شَكُورٌ } [ فاطر : 30 ] يقبل منهم يسير طاعاتهم التي أتَوْا بها مخلصلين ، فكيف بعسيرها ؟ ! .