Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 39-41)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكيف تغفلون عنه سبحانه وتذهلون عن تذكره أيها الغافلون ، مع أنه سبحانه { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ } عن ذاته وأظهركم على صورته وأعطاكم التصرف { فِي ٱلأَرْضِ } وسلطكم على عموم ما عليها ، وسخر لكم جميع ما فيها من المواليد ؛ تتميماً لخلافتكم وتكريماً لكم على سائر مخلوقاته ، وبعدما فعل بكم سبحانه من الكرامة و الإفضال وحسن الفعال ما فعل { فَمَن كَفَرَ } وأعرض عن الإيمان به سبحانه وبكتبه ورسله وبما جرى في لوح قضائه وحضرة علمه { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي : يحمل عليه وبال كفره وإعراضه ، وينتقم عنه على مقتضاه بلا لحوق شين وعيب عليه سبحانه ؛ إذ هو في ذاته منزه عن إيمان عباده وكفرهم ، بل { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ } أي : إصرارهم على الشرك واستنكافهم عن الإيمان بالله والكتب والرسل { عِندَ رَبِّهِمْ } المطلع على سرائرهم وضمائرهم { إِلاَّ مَقْتاً } أي : غضباً وبغضاً شديداً منه سبحانه إياهم ، وطرداً لهم عن ساحة عز قبوله { وَ } بالجملة : { لاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ } وشركهم في النشأة الأولى { إِلاَّ خَسَاراً } [ فاطر : 39 ] نقصاناً وحرماناً في النشأة الأخرى عما أعد للمؤمنين من أنواع الكرامات والمقامات العلية ، لا خسران أعظم منه . { قُلْ } يا أكمل الرسل للمشركين ؛ تقريعاً لهم وتبكيتاً بعدما سجلنا عليهم المقت والطرد وأنواع الخسران والخذلان : { أَرَأَيْتُمْ } وأبصرتم أيها المجبولون على الغواية والعناد { شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } وتدعون آلهة { مِن دُونِ ٱللَّهِ } مشاركين له سبحانه في الألوهية والربوبية { أَرُونِي } وأخبروني أيها المكابرون المعاندون { مَاذَا خَلَقُواْ } وأوجدوا { مِنَ ٱلأَرْضِ } أي : أي شيء خلقوا في الأرض بالاستقلال والاختيار حتى يتصفوا بالألوهية ؟ { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } أي : أروني هل لهم مشاركة مع الله { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : خلقها وإبداعها { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً } أي : أ روني هل أنزلنا عليهم كتاباً دالاً على مشاركتهم معنا في الألوهية والربوبية ؟ { فَهُمْ } أي : أولئك المدعون المكابرون مطلعون ، فائزون { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } أي : حجج ودلائل واضحة من الكتاب دالة على شركة أولئك التمايل العاطلة مع العليم القدير الحكيم ، فظاهر أنه ما أنزل إليهم كتاباً كذلك { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ } أي : ليس الباعث لهم على ادعاء الشرك أمثال هذه المذكورات من الدلائل العقلية والنقلية ، بل لا باعث لهم سوى الوعد الكاذب الذي يعد بعضهم بعضاً ، وبالجملة : ما يعد الظالمون الخارجون عن مقتضى الحدود الإلهية { بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } [ فاطر : 40 ] وتغريراً من الشرفاء بالأراذل منهم ، والرؤساء بالضعفاء ، وتلبيساً من أصحاب الثروة على ذوي الأحلام السخيفة منهم ؛ حفظاً لجاههم وسيادتهم ، والله المطلع بجميع حالات عباده يعلم تغريرهم وتلبيسهم ويمهلهم ، ولا يعاجل بالانتقام لكمال حلمه . { إِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظة والكبرياء { يُمْسِكُ } ويضبط { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ويمنعهما من { أَن تَزُولاَ } بشرك المشركين ، وافترائهم على الله بإثبات الشركاء له ، وبشؤم عصيانهم وفسقهم فيما بينهم { وَلَئِن زَالَتَآ } ولم يمسكهما سبحانه { إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } أي : ما أمسكهما عن الزوال من أحد بعد الله سبحانه ، لكنه سبحانه أمسكهما ، ولم يعاجل بانتقام عصاة عباده { إِنَّهُ } سبحانه { كَانَ } في ذاته { حَلِيماً } لا يعاجل بالانتقاممم عند ظهور الجرائم { غَفُوراً } [ فاطر : 41 ] لمن تاب عنهما ، وأناب إلى الله مخلصاً .