Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 44-45)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَ } ينكرون سنة الله في الأمم الماضية الهالكة بتعذيب الله إياهم بسبب تكذيب الرسل والإنكار عليهم { وَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } بنظرة العبرة { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } القوم { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } مكذبين لرسله { وَ } الحال أ نهم قد { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ } أي : من هؤلاء المكذبين لك يا أكمل الرسل { قُوَّةً } وقدرة ، وأكثر شوكة وأموالاً وأولاداً { وَ } مع ذلك { مَا كَانَ ٱللَّهُ } المتعزز برداء العز والعلاء على جميع ما جرى في ملكه من الأشياء { لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ } بأن يفوت عنه شيء حقير ويعزب عن حضرة علمه ذرة يسير لا { فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } أي : العلويات { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : السفليات ، وكيف يفوت عن خبرته سبحانه شيء { إِنَّهُ } في ذاته { كَانَ عَلِيماً } لا يعزب عن حضرة علمه شيء { قَدِيراً } [ فاطر : 44 ] على إظهار ما في خزانة علمه بلا فترة وفتور ، وفطور وقصور . { وَ } من كمال حلم الله على عباده ، ونهاية رأفته ورحمته منهم أنه { لَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ } المطلع لجميع ما جرى في ملكه من الجرائم الموجبة للأخذ والانتقام { ٱلنَّاسَ } الذين كلفوا من عنده سبحانه بترك الجرائم والآثام المانعة من الوصول إلى المبدئ الحقيقي { بِمَا كَسَبُواْ } أي : شؤم ما اكتسبوا لأنفسهم من المعاصي التي منعوا عنها { مَا تَرَكَ } سبحانه { عَلَىٰ ظَهْرِهَا } أي : على ظهر الأرض { مِن دَآبَّةٍ } أي : متحركة من المكلفين غير مأخوذة بجرم ، بل بجرائم كثيرة عظيمة ؛ إذ قلما يخلوا إنسان عن طغيان ونسيان { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ } أي : يؤخر أخذهم سبحانه ويمهلهم { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } معين مقدر للأخذ والانتقام ، وهو يوم القيامة { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } الموعود المعين عند الله ، المعلوم له سبحانه فقط ، بلا إفشاء وإطلاع منه لأحد من أنبيائه ورسله ، أُخذوا حينئذ بما اقترفوا من الجرائم والمعاصي بلا فوت شيء منها { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المراقب ، المحافظ على جميع ما جرى في ملكه وملكوته { كَانَ بِعِبَادِهِ } في جميع أوقات وجودهم ، بل باستعداداتهم وقابلياتهم ، وما جرى عليهم فيها { بَصِيراً } [ فاطر : 45 ] شهيداً مطلعاً يجازيهم على مقتضى إطلاعه وخبرته بأعمالهم ونياتهم فيها . ربنا أصلح لنا عواقب أمورنا ويسر علينا كل عسير . خاتمة السورة عليك أيها السالك ، المتشمر لإعداد زاد يوم الميعاد ، وفقك الله على إتمامه أن تلف شملك وتجمع همك للركون إلى الآخرة التي هي دار الخلود والقرار ، وتجتهد في رفع الموانع والشواغل العائقة عن هذا الميل ، وفلك أن تنقطع عن مألوفاتك ومشتهياتك التي هي أسباب الأخذ والبطش الإلهي ، وتنخلع عن لوازم تعيناتك المشتملة على أنواع الفتن والمحن حسب ما يسَّر الله عليك ، معرضاً عن الدنيا الدنية ومستلذاتها البهية ومشتهياتها الشهية ؛ إذ لا قرار لها ولا مدار لما يترتب عليها ، بل كلها زائدل فإنٍ ، مورث لأنواع الحسرات في النشأة الأولى ، ولأشد العذاب والزفرات في النشأة الأخرى . والمؤيد من عند الله بالعقل المفاض المميز بين الصلاح والفساد ، وبين الفاني والباقي ، والمرشد والهادي إلى فضاء التوحيد ، والمتذكر له ، كيف يختار الفاني على الباقي واللذات الجسمانية الزائلة سريعاً ، الجالبة للأحزان الطويلة على اللذات الروحانية القارة المستتبعة للحالات العلية ، والمقامات السنية التي لا يعرضها انقراض ولا انقضاء ولا نفوذ ولا انتهاء ؟ ! . ربِّ اختم بفضلك عواقب أمورنا بالخير والحسنى ، إنك على ما تشاء قدير وبرجاء الراجين جدير .