Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 5-8)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } المهمكون في بحر الغفلة والنيسان ، التائهون في تيه الغرور والخسران { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي وعده في النشأة الأخرى لعموم عباده شقيهم وسعيدهم ، مطيعهم وكافرهم { حَقٌّ } ثابت ، لازم إنجازه على الله بلا خلف ، فلكم أن تتزودوا لأخراكم وتهيئوا أمر عقباكم ؛ كي تصلوا إلى ما أعد لكم مولاكم { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ } وتعوقنكم { ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } ولذاتها الفانية وشهواتها الزائلة عن الحياة السرمدية ، والبقاء الأبدي واللذات الأزلية { وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [ فاطر : 5 ] يعني لا يلبّس عليكم الشيطان المكار الغرار الغدار بأن يوقع في قلوبكم أن رحمة الله واسعة وفضله كثير ولطفه عام ، وأن الله سبحانه مستغني عن طاعتكم وعبادتكم ، وأن فعل الإيلام لا يتصور من الحكيم العلام ، إلى غير ذلك من الحيل العائقة لكم عن التقوى والتزود للنشأة الأخرى . { إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ } يا بني آدم { عَدُوٌّ } قديم ، مستمر عداوته من زمان أبيكم { فَٱتَّخِذُوهُ } أي : الشيطان ، أنتم أيضاً { عَدُوّاً } لأنفسكم عداوة مستمرة بحيث لا تصغوا إليه ولا تقبلوا منه قوله ، ولا تلتفتوا إلى تغريره وتلبيسه أصلاً ، فإنه يواسيكم ويغريكم إلى مشتهيات نفوسكم ، ويوقعكم في فتنة عظيمة ، كما أوقع أباكم آدم عليه السلام فعليكم أن تجتنبوا عن غوائله ، حتى لا تكونوا من حزبه { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ } على الغواية والضلال { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] المعد لأصحاب الشقاوة الأزلية مثل الشيطان وأحزابه وأتباعه . نجنا بفضلك من سخطك ، وأعدنا بلطفك من تغرير عدونا وعدوك . ثم قال سبحانه كلاماً جملياً ، شاملاً لعموم العباد ؛ تذكيراً وعظة ، مشتملاً على الوعد والوعيد بكلا الفريقين : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : ستروا الحق وأعرضوا عنه في النشأة الأولى عناداً ومكابرة { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } إي : إحراق بالنار في النشأة الأخرى ؛ جزاء لما اقترفوا في النشأة الأولى ؛ إذ لا عذاب أشد من الإحراق { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله ، وصدقوا رسله المؤيدين من عنده بالصحف والكتب المنزلة إليهم ، المبينة لسلوك طريق التوحيد والعرفان { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المأمورة لهم في تلك الكتب والصحف { لَهُم } في النشأة الأخرى { مَّغْفِرَةٌ } ستر وعفو لما صدر عنهم من الذنوب قبل الإيمان والتصديق { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ فاطر : 7 ] وجزاء عظيم على ما عملوا بعده بمقتضى الأمر الإلهي المبين في الكتب المنزلة من عنده . { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } يعني : أيزعم أن من زين وحسن له الشيطان عمله السويِّء القبيح في الوقاع فخيله حسناً بحسب زعمه الفاسد واعتقاده الباطل ، كمن كان عمله حسناً في الواقع حقاً في نفس الأمر واعتقده أيضاً كذلك ، حتى يكونا متساويين في استحقاق الأمر الجزيل والجزاء الجميل ؟ ! كلا وحاشا { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء ، المقتدر على جميع ما يشاء { يُضِلُّ } عن صراط توحيده بمقتضى قهره وجلاله { مَن يَشَآءُ } من عصاة عباده { وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } منهم الإضلال والضلال ، والإرشاد والهداية إنما هي مستمدة أولاً وبالذات إلى مشيئة الله وإرادته ، لا مدخل لأحد من خلقه فيها أصلاً { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ } أي : لا تتعب ولا تهلك نفسك { عَلَيْهِمْ } أي : على غواية من أردت أو أحببت هدايته { حَسَرَاتٍ } أي : حال كونك متحسراً ومتأسفاً تحسراً فوق تحسر ، وتحزناً فوق تحزن على ضلالهم وعدم قبولهم الهداية ، والمعنى : أفمن زين له سوء عمله ، فحسنه على نفسه واعتقده حقاً جهلاً مع أنه باطل في نفسه ، وبذلك ضل عن طريق الحق وانحرف عن سوء السبيل ، وبعُد بمراحل عن الهداية ، وأنت يا أكمل الرسل أذهبت وأهلكت نفسك حسرة عليهم وضجرة لما لم يهتدوا ولم يؤمنوا ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وبالجملة : { إِنَّ ٱللَّهَ } المراقب على جميع حالاتهم { عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ فاطر : 8 ] يجازيهم على مقتضى علمه بسوء صنيعهم ، ولا تتعب نفسك عليهم بما يفوتون على نفوسهم من الرشد والهداية .