Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 1-9)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يسۤ } [ يس : 1 ] يا من تحقق بينبوع بحر اليقين ، وسبح فيه سالماً عن الانحراف والتلوين . { وَ } حق { ٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 2 ] المحكم نظمه وأسلوبه ، المتقن معناه وفحواه . { إِنَّكَ } يا أكمل الرسل وخاتم الأنبياء ، المبعوث إلى كافة البرايا { لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 3 ] المتمكنين . { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ يس : 4 ] موصل إلى التوحيد الذاتي ، بلا عوج وانحراف . وكيف لا يكون القرآن العظيم حكيماً مع أنه { تَنزِيلَ } أي : منزل من عند { ٱلْعَزِيزِ } الغالب ، القادر على جميع المقدورات على الوجه الأحكم الأبلغ { ٱلرَّحِيمِ } [ يس : 5 ] في إنزاله على الأنام ؛ ليوقظهم عن نوم الغفلة ونعاس النيسان . إنما أنزل الحكيم المنان عليك يا أكمل الرسل هذا القرآن { لِتُنذِرَ } أنت { قَوْماً } لم يبعث فيهم نذير من قبلك { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } الأقربون أيضاً ؛ إذ هم ليسوا من أهل الكتاب وتابعي الملة ؛ لتمادي مدة فترة الرسل بعد عيسى - صلوات الله عليه وسلامه - أو المعني { لِتُنذِرَ قَوْماً } [ يس : 6 ] بالذي أنذر به آباؤهم الأبعدون . وبعدما قد تطاول أيام الفترة ، انطقع عنهم أثر الإنذار ، وصار كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ، بالجملة { فَهُمْ غَافِلُونَ } [ يس : 6 ] أي : القوم الذين قد أُرسلت إليهم يا أكمل الرسل ، ذاهلون عن الإنذار والمنذر ، بل عن مطلق الرشد والهداية ؛ إذ هم متولدون في زمان فترة الرسل . وكيف لا ينذرهم سبحانه ولا سيرسل إليهم من يصلح أحوالهم { لَقَدْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ } وسبق الحكم من الله ، ومضى القضاء منه سبحانه { عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ } أي : أكثر أهل مكة بالكفر والعذاب ، وعدم الوصول إلى خير المنقلب والمآب ، وبعدما قد ثبت في حضرة علمه سبحانه كفرهم وضلالهم { فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 7 ] بالله ، ولا يصدقون برسوله وكتابه . وكيف يؤمنون أولئك المصرون على الكفر والعناد المقضيون من عدنا بالشقاوة الأزلية { إِنَّا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ } التي هي سبب التفاتهم وتمايلهم نحو الحق وآلة انعطافهم للإطاعة والانقياد بالدين القويم { أَغْلاَلاً } وصيرناهم مغلولوين من الأيدي إلى الأعناق ، بحيث لا يمكنهم الطأطأة والانخفاض أصلاً ، ولا بدَّ للتدرين والانقياد من التذلل والخضوع ، وكيف يمكنهم هذا { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } أي : أغلالهم منتهية إلى لحيتهم { فَهُم مُّقْمَحُونَ } [ يس : 8 ] رافعون رءوسهم ، مضطرون برفعها بسبب تلك الأغلال الضيقة ، بحيث لا يسع لهم التفات يمنة ويسرة ، وفوقاً وتحتاً . بل { وَجَعَلْنَا } لهم من كما ضبنا إياهم { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أي : قدامهم { سَدّاً } حجاباً كثيفاً { ومِنْ خَلْفِهِمْ } أيضاً { سَدّاً } غطاء غليظاً كذلك ، فصاروا محفوفين بين الحجب الكثيفة المانعة عن إبصار نور الهداية والتوحيد ، وبالجملة : { فَأغْشَيْنَاهُمْ } أي : أعمينا عيون بصائرهم التي هي سبب رؤية الآيات ودرك الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة { فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [ يس : 9 ] الشواهد الظاهرة والآيات الباهرة حتى يرشدهم إلى الهداية والإيمان ، فحرموا عن قبول الحق ، وانصرفوا عن صراطه ، فهلكوا في تيه الغواية والضلال ، أعاذنا الله وعموم عباده عن ذلك .